وهي خير من كل المؤتمرات الوطنية التي تنعقد بعيداً عن القاعدة الشعبية والتي تريد أن تستبدل السلطة الحكومية بسلطة أخرى ومن فئة أخرى وبتأييد من محاور أقليمية ودولية وبهذا تعاد الكرّة علينا مرة أخرى وبلباس جديد بعد حقبة من الزمن أستطاع بها خوارج الجنسية وخوارج الوطنية أن يصلوا الى كراسي السلطة وهم لايعترفون بأي دور أو فضل للشعب في تسلمهم زمام السلطة . لذلك ركزوا على مفاهيم بأسم المكونات والطوائف والمظلوميات ليوسعوا قواعدهم الحزبية والكتلوية مستغلين المنافع المادية التي أغتنموها جراء تحاصص المناصب وأدارات الدولة وألياتها . وحصيلة الواقع الذي نعيشه اليوم هي طبقة سياسية معزولة عن شعبها ومترفعة عنه ليصبحوا زعماء ورؤساء ورموز لموروثات دينية وأثنية أو قومية وسياسية , وتعيش تلك الطبقة في ترف سياسي ومادي كبير بسبب ما يعتقدون أنها أنجازات غير مسبوقة حتى على المستوى العالمي في حين أنهم وضعوا العراق في أحلك بقعة من السياقات الدولية .
الدستور الذي يتبجح الساسة بأحسنيتهِ وقوانينه التشريعية والتي أعطت أمتيازات حصرية لمن أعتلى منصباً سياسياً أو حتى أدارياً , وديمقراطية مطلقة لا حدود لها ورئاسات وهيئات ومفوضيات عديدة وتعقيدات وتراكمات في المناصب والصلاحيات كل ذلك أدى الى عدم وجود فرصة لبناء مفهوم دولة تعتمد الشعب كقاعدة لتطوير المسارات الاقتصادية والامنية والتربوية . وأصبحت كل تلك المسميات كغطاء للفشل والفساد في الانجاز الحكومي العام . وما فائدة دستور وقوانين بدون أن تنعكس على حياة فرد من الشعب لتحسين واقعه المؤلم الذي يعيشه وبدون أن يحسن الواقع الصناعي أو الزراعي أو السكني أو ألامني , وبذلك أدرك الشعب أن كل ذلك هو نوع من التنظير وتبقى تلك الكلمات والاسطر مجرد حبر على ورق ما لم تؤطر وطنياً وشعبياً لخدمة البسطاء والمعدمين وأيجاد السبل لنهضة شعبية جامعة شاملة عارمة تكون أداتها تلك الطبقة الشعبية التي أصبحت تحتاج الى أمل للعيش على تراب وطن أسمه العراق .
وبسبب صراعات على مصالح بين تلك الزعامات جُرَّ الشعب الى أزمات وفتن كانت عليه شديدة بينما بقيت تلك الزعامات في أحاديث وخطب لا ترتقِ الى مستوى المرحلة بل وتنحدر الى مستوى السذاجة والقِدم في التحليل وأخذ البعض يفكر بمنهج خبيث لأستمالة الطبقة الشبابية وبغطاء ديني وبمفاهيم أرسالية لتوسيع قاعدة السلطة التي تؤمن له الديمومة والانتشار السياسي وليس الشعبي , ومن هنا بدأ الخراب يأخذ شكلاً أوسع وأخطر ليصل بنا الى حد التفتيت وربما الاندثار من أجل بقاء تلك الحفنة من الدويلات ورموزها وقياداتها , واليوم وقد تنامى لدى الاوساط الشعبية بأنه لايمكن أصلاح تلك العملية السياسية لكونها مستمرة في الاهتمام بمصالحها وطاعة أجنداتها وأصبح من المستحيل القبول بما تطرحه تلك الوجوه من حلول ومبادرات وكتل عابرة وتحالفات تتسم بالشبهات والمغانم , أخذ دعاة الاصلاح يطالبون بالتغيير وبآليات مختلفة , وأغلب تلك الاليات تنادي بتبديل الشخوص ومنها تبديل الوزارات من سياسية الى تكنوقراطية تأخذ شرعيتها من نفس الطبقة السياسية التي أستفحلت في سطوتها , ليس مهما تماماً تغيير الاشخاص ما دامت القاعدة غير مؤهلة لا وطنياً ولا نزاهةً لأدارة الحكومة وهي لازالت وتبقى تفتقد التأييد الشعبي , وبالتالي لن تتمكن الطبقة التكنوقراطية من التواصل مع الشعب وأحتياجاته ومطاليبة التي عبر عنها بالاحتجاجات السلمية ولمدة عام كامل وستظل الطبقة السياسية المتسلطة كجبل عثرة لأفشالها بكل ما أوتيت من خبث وأجندات واليات أجرامية , وسنبقى عامين قادمين من التساؤل هل كان الهدف الذي خرجنا من أجله يستحق ذلك , وستطال خيبة الامل الجميع , والخوف من أن يؤمن البعض بأن التغيير لابد أن يأتي من الخارج .
والحل الناجع هو أن يكون التغيير المنشود يهدف الى تغيير القاعدة السياسية والتي بدورها ستغير من أسْسَّ هذة القاعدة وهنا لابد من أن يكون الشعب هو المحرك الاساس لعملية التغيير ليستطيع أن يستجمع قوته وارادته التي تحكّمت فيها السلطات على مختلف مسمياتها , وأن تعمل القيادات الاصلاجية والنخب والمثقفون على أرساء ثقافة الرفض لمفاهيم كانت لها الاثار المدمرة على شعب العراق وأهله , وأن يتمخض عن ذلك ثورة شعبية منظمة وبآليات سليمة وبمنهاج أنساني ووطني لتسمو تلك الثورة بالعراق الى عهد جديد ينظر الفرد منا الى عراقيته قبل أن ينظر الى نفسه أو دينه أو معتقده أو عشيرتهٍ , وهنا سيفتخر العراقي أنه كان ممن شارك في قلب الطاولة على من تسلط علية , وسيقدس الوطن والثورة الشعبية الكبرى ويفتخر أن له تاريخاً مجيداً يسمو فيه الصلاح وألاصلاح وليس تاريخاً زائفاً ليس فيه الا الخراب والفتنة .