10 مارس، 2024 12:22 ص
Search
Close this search box.

ولاية بطيخ ، تعيد البسمة المنسية !..

Facebook
Twitter
LinkedIn

مما لا شك فيه ، أن الأعمال الكوميدية أصعب من الدرامية ، فالدراما والتراجيديا هي خبزنا اليومي والواقعي ، يكفي استثارة العواطف السوداء والحزن في كل واحد منا على الأطلاق ، وسنجد سيلا غزيرا  من القصص الواقعية المأساوية ، تلك التي نعيشها يوميا ، ونسمعها من هنا وهناك ، مليئة بالمآسي والحزن ، يكفي فقط مشاهدة الأخبار ، كيف لا ، ونحن أتعس شعب على وجه الأرض ، صفة قد تضمها موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية في كل ما هو سيء ومأساوي وعبثي ، لا نجدها إلا في وادي الرافدين !.

أما استنباط الإبتسامة من الحزن المزمن ، وإنتزاعها من بين ركام المآسي ، وكأنك تستخلص السّكّر من العلقم ، وبياض الحليب من القار ، بل العطر من كومة الأزبال ، فهذا عمل صعب يتطلب الكثير من المواهب والمعايشة الحقيقية للمأساة ، خصوصا إن كانت كوميديا هادفة ، خالية من التهريج الفارغ ، وستكون بلا شك ساخرة سوداء ، فمن الصعب رسم الإبتسامة وإعادة الحيوية إلى وجوه كالصخر ، نحتتها سنون طويلة من الحزن والإحباط والتجهم ، وبالتالي زرع برعم الأمل ، في مساحة الحياة الجرداء .

يلجأ الكثير من كُتّاب الأعمال الكوميدية المحليون ، إلى رسم الإبتسامة الآنية ، والتي تُنسى بسرعة بمجرد نهاية المشهد ، وذلك بإستخدام إسلوب التهريج وحتى الصراخ وإستخدام الكلمات النابية ، فنضحك لها إستغرابا ! ، خصوصا الدارج منها حديثا بما في ذلك النكات ، للفت إنتباه المشاهد ، كما تُعتبر السخرية من السلطة ومثالبها التي لا تُعد ولا تحصى ، مادة دسمة للأعمال الكوميدية المتسرعة إلى درجة الإرتجال ، وترك الحس النقدي للظواهر السلبية للمواطن والسياسي في آن ، ثم وضع الإصبع على مكامن الفشل ومواضع الآفات ، وبالتالي الحاجة إلى الجرأة والصراحة والرصانة .

مسلسل (ولاية بطيخ) الكوميدي الأسبوعي والذي يُبث من قناة (هُنا بغداد) الفضائية ، أجده مسلّيا وهادفا وممتعا ومضحكا ، وذو توجّه كوميدي مختلف وجديد ، مليء بالإنتقادات المعلنة والمبطنة ، تلك التي تعالج سلبيات المجتمع وأمراض السياسة ، يُدار من قبل شباب موهوبون يعيشون في قلب الحدث ، وهم علي فاضل ، أمير عبدالحسين ، أوس فاضل ، كامل مفيد ، غسان إسماعيل ، أمير أبوالهيل وغيرهم ، لكني أخص الفنان (أثير كشكول) ، والذي كان موفقا في تجسيد أربع شخصيات مختلفة ، كلها مضحكة وخفيفة الدم ، فتارة (أثير) الغاضب صاحب المناشدات المعروفة ، وأخرى شخصية (الحجي) اللحوح والناقم ، أو شخصية (ابو فطم) الحلّاق بفهمه المعكوس للأمور ، والرابعة والأكثر إمتاعا ، شخصية (محسوب ورطة) الذي يتدخل فيما لا يعنيه ، وتكراره الموفّق واللطيف للكلمات أو العبارات بالتوافق مع حركة الكاميرا من عدة زوايا ، وهو يفتتح مشاهده بعبارة (صباح القرُنفل) بنبرته الصوتية المميزة ..

شكرا لطاقم هذا العمل التلفزيوني الهادف ، ونرجوا الإستمرار في إنتاج هذا المسلسل ، وليكن خطوة جادة لكوميديا عراقية خلّاقة وغير تقليدية وجريئة ، لتعيد للوجوه ، البسمة التي نستها منذ زمن بعيد .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب