تساؤلات عديدة أطلقها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، منها ( اين مقولة .. نحن خير أمة أخرجت للناس ) إلا إنه توقف عند هذا الكلام دون إكمال الاية القرانية ، التي تقول بعدها ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) !! فتح في نفسي جروح عديدة وتساؤلات ، في المقدمة منها ، لماذا هذا الحال للامة العربية من اقصاها الى اقصاه ، ودون استثناء ، لماذا كل هذا التامر والحقد والكراهية ، ويقولون ( نحن خير أمة للناس ) .
لا اريد الخوض في الاسباب ، التي أدت الى وصول حال الامة العربية الى هذا الحال ، لأن المنتقدين كثر ، ووجهات نظرهم بالتأكيد لا تتوافق ووجهة نظرنا ، وكل واحد منهم يحاول تبرير موقف بلده من مشاركته في تدمير هذا البلد العربي أو ذاك ، لكني سأخذ المسألة من مبدأ عربي خالص ، بعيدا عن المهاترات السياسية التي بات الكثير يتفنن فيها.
أليس غريبا أن العربي يقتل ويذبح ويهجر بأيدي عربية خالصة ( ويقولون نحن خير أمة أخرجت للناس ) ، فابناء الغرب العربي يقتلون ويذبحون ابناء جلدتهم في الشرق مدعومين باموال عربية معظمها من دول الخليج العربي ، ويمثلون بهم ويسبون نسائهم ، ويرقصون على عذابات تهجير الناس وصرخات الاطفال وجوعهم وموتهم جراء البرد والجوع ، لتكون مادة إعلامية لمحطات التلفزة العربية قبل غيرها تتباهى بسبقها الصحفي في نقل هذه المعاناة .
وأليس نحن من سمح لتركيا وإيران ( المحسوبين علينا بأنهما مسلمين ) في تدخلهما السافر في شؤون بلادنا ، ونحن الذين نخدم مصالحهما وتوسعاتهما في بلداننا ، وبأمر منهما ذبحنا أبنائنا بأيدينا ، وشردنامواطنينا بأيدينا ، وندعم أقتصاداتهما باموالنا ، وفتحنا لهما اسواقنا وبيوتنا ، وأصبحنا ماسورين لهما ، وباتت مدننا خربة ومهجورة تسكنها الاشباح وتتناثر فيها جثث قتلى ابناء جلدتنا ، ومدنهما تزداد رقي وجمالا وتطورا عمرانيا على حسابنا .
نقول ( نحن خير أمة أخرجت الناس ) وملايين السوريين يذبحون في بلادهم ويقتلون باسلحة ممولة عربية أو أجنبية ، وقاتليهم قاتليهم من السوريين يعاونهم من تعرب على حسابنا ، ويهجرون ابناء جلدتهم باشبع صور التهجير عرفها العالم ، وتدمير مدنهم العريقة ، و بلدهم بالكامل ، أقل ما يقال عنها بانها واحدة من البلدان التي أسست البشرية .
و نقول ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) وابناء عروبتنا يذبحون العراقيين بدم بارد ، بكل أطيفاهم ، قالوا أنهم جاءوا لإعاة الدين الى مساره الصحيح الذي حرفته الطائفة الأخرى ، وتبين فيما بعد أنهم لا يمتوا للاسلام والعروبة بشيء ، وأنهم أكثر قساوة حتى على ابناء طائفتهم ذبحوهم وسبوا نسائهم وباعوهن في سوق النخاسة ، وابناء عروبتنا يتفرجون ، ويمولون هذه الملة .
ونقول ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) وابناء ليبيا يتسابقون من مدينة لأخرى لذبح أهلها ، ويتفاخرون بأنهم قتلوا اعدادا هنا وفي أخرى اكثر منها ، ويدمرون مدنها الواحدة تلو الاخرى ، وكأنهم في مسلسل يبحث عن الفائز الاول في تدمير مدن بلادهم ، متناسين أن من يقتل هم ابناءهم ، ومن تدمر هي مدنهم ، حتى بات الوفاق بينهم شبه مستحيلا ، فالكل يسير وراء أطماعه في قضم الجزء الاكبر من الكعكة الليبية ، ليهدي لقمته بعد ذلك لأسياده .
وإذا كان الحال في أعلاه بحثا عن الكيكة الكبيرة في خزائن الدولة وواردات النفط ، والبحث عن السلطة والجاه ، فالحال في اليمن يختلف بشكل كبير ففي هذا البلد الفقر المدقع ، والجهل والبداوة ، اللهم فقط موقعها الجغرافي ، إلا إنهم أيضا يقولون ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) فهذا البلد العربي ، حامل لواء الاسلام منذ نشأته يتعرض أيضا لإبشع حملة تدمير وتقتيل وبسلاح عربي تارة وبيد ابناءه ، تارة أخرى ، لتزيدهم فوق فقرهم فقرا ، وفوق جوعهم جوعا .
أما في مصر العروبة ، فكلنا نعرف من هي مصر ، هي قلب الامة النابض ، فهم أيضا يقولون ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) فالدلائل تشير وللاسف الى أن أبناءها يسيرون بنفس الخطى والاخطاء التي سار بها ممن خدعوا في سوريا والعراق وليبيا واليمن لتدمير بلدهم ، وكأنهم لم يعوا الدروس التي يشهدها العالم العربي ، ويريدون تدمير مصر التي عرفناها دائما بأنها قائدة الامة نحو الوفاق والوئام .
نقول ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) ونحن اصبحنا أضحوكة ولعبة تتلاقفها إيران من جهة وأطماعها التوسعية على حساب العرب ، تدعم هذا وذاك في وقت واحد ، وتتلذلذ في قتل أبناءنا وتدمير مدننا ، وكأنها تنتقم لثأر قديم من العرب ، وبعد أن عجزت في تحقيق هدفها في حربها ضد العراق ، هذه المرة جربت استغلال ضعف العرب ، لتذبحهم بايدي ابنائهم واموالهم .
نقول ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) ونساعد السلطان أردوغان على تحقيق حلمه السلطاني في استعادة الامبراطورية العثمانية مستغلا الانقسام العربي ، ليحرك أذنابه فينا ممن خدعوا بمواقفه وشخصيته ، وينفذون مآربه ومساعدته في تحقيق أهدافه الاستعمارية حتى وإن كان على حساب العرب وآلامهم ، التي استغلها أيضا في تصفية حساباته مع الاوربيين على حسابها .
فيا ايها العرب افيقوا ، وإن افقتم فوعوا ، وإن وعيتم فانتفعوا ، فإن من عاش مات ، وإن من مات فات ، فلم نعود ( خير أمة أخرجت للناس ) لأننا لم نعد نأمر بالمعروف ، وننهي عن المنكر ، ونكرنا معروف الله علينا ، واصبحنا أهلا للمنكر ، نقترف الجرائم باشكالها وتنوعها ، راحتنا في سبي نسائنا ، وحاجتنا نقضيها مع نساء جيراننا ، وتسليتنا في جز رقاب المسلمين كجز الشاة عند العيد .. ومتعتنا في تآمرنا بعضنا على بعض ، بغض النظر عما سيؤول عليه هذا التآمر من خراب ودمار وتهجير وتدمير ، ابناؤنا شردوا ، وقتلوا ، ونحن نتفرج ، مدننا وبلداننا اصبحت خرابا ، ونحن سعداء بما نحن عليه ، نفاقنا يسير بنا الى الهاوية النهائية ، واسيادنا يتفرجون علينا ، مزدانين بالسعادة والفخر والسمو ، لأننا نحقق مبتغاهم بأيدينا وأموالنا .
وبكل صراحة وشفافية فلم يعد المشهد في المنطقة العربية مسرا ، ولا يبشر بخير ، فالصور القاتمة فيه تدفعنا نحو مزيد من الاحباط ، فالحقيقة تؤكد سقوطنا في براثن الاحباط والفقر والجهل والقهر والاستبداد والتخلف والاستسلام هي حالة عامة تئن من وطئتها الشعوب العربية ، والهجمة الخارجية الشرسة تجعل الوضع العربي الراهن اكثر هشاشة وضعفا وقابيلة للاختراق والانصياع نحو رغبات جيرانها ومطامع القوى الكبرى ..