18 ديسمبر، 2024 11:45 م

ولائم التسويات السياسية تجسيد لانتصار ثقافة القبيلة على الدستور

ولائم التسويات السياسية تجسيد لانتصار ثقافة القبيلة على الدستور

تتناسب سلطتا القبيلة والدين تناسبا عكسيا مع سلطة الدولة المدنية فكلما ضعفت سلطة الدولة قوت سلطتا القبيلة والدين والعكس صحيح, اما اذا تكافأت سلطات هذه المؤسسات الثلاثة في دولة ما فان المواطن سيحال فيها الى اسير.
لايمكن تاسيس دولة مدنية مالم يكن العدالة والمساواة والحرية ثالوثها المقدس ولايمكن لدولة ان تدعي مدنيتها ولرجال القبيلة والدين والمال فيها معاملة تفضيلية. لعل البعض يجادل حول دور الدين والقبيلة في استقرار المجتمعات الشرق-اوسطية , فلهؤلاء اقول نعم ولكن فقط عندما تنتزع اسنانهما مثلما حصل في الدول المدنية على الجانب الآخر من الكرة الارضية.
 تتداخل السلطات الثلاث في العراق بشكل كبير حتى صار العيش فيه هذه الايام يشعرك وكأنك تعيش في ثلاثة دول داخل حدود واحدة,  صار على الشخص ليس فقط المرتكب جريمة او جنحة او سوء سلوك بل حتى الذي يريد امتهان مهنة معينة صار علية ان يرضي هذه السلطات الثلاث والا فان حياته في خطر, هكذا وضع جعل الحياة هنا اشبة بجحيم فالحقوق الفردية تتقلص او تكاد تنعدم لصالح الواجبات الاجتماعية التي تتجسد بواجبات القبيلة والدين والدولة وكل هذه السلطات الثلاثة تتسابق من اجل تقييد حرية الفرد اكثر فاكثر.
 في بغداد ,التي احيلت الى خربة, ثمة محال تجارية مغلقة معلق عليها لوحات تقول ” صاحب المحل مطلوب عشائريا”
وفي محافظات الفرات الاوسط  استعاد الاقطاعيون بالقوة من الفلاحين الاراضي التي  وهبتهمها الحكومات السابقة لعام 2003 بموجب قانون الاصلاح الزراعي, ولايتطلب الامر فتوى فمجرد كلام تحريضي من امام جامع في احدى خطب الجمعة كافي لاخماد انفاس العشرات ان هم امتهنوا مهنة او باعوا بضاعة او ارتدوا رداءا او سرحوا شعرهم بما لايتوافق مع المالوف من التسريحات او سلكوا سلوكا لايرضي الامام.
حاول الامريكان بعد اجتياحهم للعراق واسقاط نظام صدام حسين عام 2003 حاولوا تاسيس نظام ديمقراطي يحاكي ذلك الذي في امريكا, نظام قادر على الاستمرار بعد رحيلهم فوضعوا الأسس للمؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني لكن ,مثلما حصل بعد الانقلاب على النظام الملكي الذي اسسته بريطانيا في العراق, فماان رحل الامريكان في نهاية عام 2003  حتى انقلب القادة العراقيون على المؤسسات المدنية والغوها او حصحصوها او حزبوها او “قبلنوها” ( اخضعوها لقوانين القبيلة).
لان الشعب العراقي  لم يذق ثمرات النظام الديمقراطي ولم يعش في ظل الدولة المدنية بمفهومها المعاصر بات هذه الايام يمجد بسياسيين يحاولون جمع الفرقاء من زملائهم على طاولة “مستديرة” بعد ان تآمرت كل الاقطاب السياسية على الدستور فتعطل عمل البرلمان  وسيس القضاء.
ينص الدستور العراقي على تعيين رئيسا للجمهورية عند غيابه لاكثر من شهر لكن وفق تقاليد القبيلة استبدال الرئيس حتى بعد غيابه لخمسة اشهر  يعتبر نكرانا لتاريخه النظالي  لذا اقترح بعضهم حلا يوفق بين الطرفين (الدستور والعشيرة) بتعيين زوجة الرئيس رئيسا كي لايبدو العراقيون وكأنهم ناكري جميل قادتهم.
مايطلق عليهم الاعلام العراقي “قادة الكتل” تعدوا على الدستور ووافقوا على حكومة المالكي رغم عدم اكتمالها ويلقون الآن باللوم على نوري المالكي لعدم تعيينه وزراء امنيين بدلا من ان يعترفوا باخطائهم ويعتذروا للشعب العراقي ومن ثم يعيدوا الاعتبار للدستور المهان.
الذين يدعون لرأب الصدع من السياسيين العراقيين هم انفسهم من خلق هذا الصدع , يطالبون بعدم تسييس القضاء وهم انفسهم من سيسه من خلال اعادة تعريف “الكتلة الاكبر” كي تبقى رئاسة الوزراء شيعية في واحدة من كبائر مخالفات الدستور وافراغ الانتخابات والعملية الديمقراطية من محتواهما.
القادة العراقيون الذين يدعون الى التراضي والتوافق واعادة الحياة لمبدأ الشراكة الذي قضى نحبه هم من ساعد نوري المالكي على التشبث بالسلطة رغم خسارته الانتخابات الماضية بفارق مقعدين.
القادة العراقيون لايطالبون بمكافحة الفساد مثلما يريدون ايهامنا بل على العكس فهم بالحقيقة يطالبون باحتكار الفساد لانفسهم فالصفقات السياسية ومساومات ” مبادلة الخيول” تجري على قدم وساق بسرية تامة  دون ان تتأثر بخلافاتهم العلنية ودون ان تهزها اعتى تفجيرات بغداد التي هي الاخرى قائمة على قدم وساق.
لايحتاج العراق الى وليمة تسوية تنتهي بعناق الاخوة الاعداء لان ولائما سابقة لم يجلبن حلولا, انما تفعيل القوانين واعادة الاعتبار للدستور والبرلمان والهيئات المستقلة واحترام القضاء من يجلب حلا دائميا.  تحل مشاكلنا فقط بتاسيس محكمة تكافح التطرف الطائفي والقومي وترسل المصابين بالسعار الطائفي الى الحبس, تحل مشاكلنا باقامة الاحصاء السكاني ,المعطل لاسباب حزبية وطائفية, كي توزع الثروات وتوضع خطط التنمية ويحدد حجم التمثيل السياسي لكل محافظة بموجبه, تحل مشاكلنا باشراك حكومات المحافظات في توفير الخدمات من خلال تقليص صلاحيات الوزارات المركزية, تحل مشاكلنا بتمرير قوانين الاحزاب والمحكمة الاتحادية والمجلس الاتحادي والنفط والغاز, تحل مشاكلنا بتغيير قانون الانتخابات والعمل بنظام القائمة المفتوحة بدلا عن نصف المفتوحه, هذا كل مايحتاجه العراق لاعادة العملية السياسية الى السكة ووضع حدا للخلافات والمماحكات السياسية التي ندفع نحن اثمانها وتنتهي بوليمة ترضية في مكتب السيد فلان الفلاني فتحتفل القنوات التلفزيونية والصحف بنبوغ وحنكة القائد الشاب الذي نجح في جمع الرؤوس المتناطحة على مائدة واحدة.
[email protected]