23 ديسمبر، 2024 11:37 ص

ولأنَّها إبنةُ الحُرية …..

ولأنَّها إبنةُ الحُرية …..

مانديلا هو نفسهُ بشحمهِ ولحمهِ وسواد بشرته وابتسامته المشرقة أبداً،هذا الذي بكته الشعوب جماعات وافراد بما فيهم السَّجان الذي كان يقف عند باب زنزانته.كان قد حُكِم عليه بالسجن لمدة 27 عاما بتهمة الارهاب !!!!!!!!!!! قضاها كلها في زنزانة انفرادية.
أي أن مانديلا في يوم ما ــ في نظر السلطة والقانون الدولي ــ كان إرهابيا.!!
المفارقة هنا..أنَّ العالم بَكَاهُ ساعة موته،وتوحَّد حُزناً على من سَمَّاهُ ايقونة السلام،بعد أن كان يُعدّهُ ارهابيا فيما مضى من الايام !!!!!!!!!!!.
في مقابل ذلك ــ وكما تعودنا في الشرق ــ سيأتي يوم ليس ببعيد ولابغريب علينا،نجد فيه أنفسنا وجها لوجه،أمام زعماء كان يصفق لهم الشعب ومعه تصفق عواصم أجنبية كانوا يزورنها.سنقف ساعتها بصدور تضجُّ بمشاعر يمتزج فيها الندم مع الاحتقار،لأنّنا أكتشفنا بوقت متأخر كعادتنا بأنّا قد خُدِعنا،فالزعيم المُفدَّى داعية السّلام والتضامن والتآخي بين الشعوب والقبائل والطوائف،لم يكن طاهر اليدين ولاحكيما ولامُختارَ عصره،بل كان إرهابياً مأجوراً مجرماً !!!!!!!
وفي تلك اللحظة سيجد الزعيم نفسه وحيدا منبوذا لاناصر ولامعين له مثل الذين سبقوه من الزعماء الى مثل هذا المصير.
نفس الشعوب ونفس المحافل الدولية التي كانت تستقبله وترحب به وتصفق له وتبارك خطواته واعتقالاته واعداماته وغزواته وإباداته وميليشياته وخياناته،نفسها تلك،ستصدرالحكم عليه وتنأى بذاتها عنه وعن خطاباته وعبقرياته وسياساته واتفاقاته .
إنَّ الدنيا دوارةٌ كما توصفُ في المخيال الشعبي “يوم لك ويوم عليك ” تدور غير عابئة بأقدارها على بني البشر،لايسلم منها أحد،كبيراً كان أو صغيرا،سنياً كان أو شيعيا،مسلما أو مسيحيا،ملحداً أو متدينا،لافرق بين هذا وذاك،سواء وقفت معه ايران أو أميركا أو روسيا أو فرنسا،الكل واحدٌ في سلة القدر،والمثل الشعبي يقول:”المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين “. 
إلاّ أنَّ فرصة النجاة من سوء المكتوب على الجَبَين قائمة لمن يقف على شيء بسيط مِن الحِلمْ،لينأى به قولاً وفعلاً عن الحماقة والجَّهالة والنَّدامة والسَّفالة والكذِب والتزييف والتطرُّف،مُتفادياً مُتحاشيا في ختام عُمره أسوأ الايام وأقساها .
ولو لم يكن مانديلا صادقا في نضاله من أجل حرية الانسان بشكل مُطلق  ،نائياً بنفسه عن كل ما يُفرِّقُ بين الانسان وأخيه الانسان،مِن لونٍ ودينٍ وعِرق،لو لم يكن بهذه الحكمة،لما أنحنى له في حياته قبل مماته أحتراما وتقديرا وتبجيلا،أعداءه قبل أصدقاءه،ولمَابكىيناهُ جميعا ساعة فراقه،عَربا وكورداً وأمازيغ وهنوداً وخُلاسيين وأفارقة وأوربيين،مع أننا جميعا لسنا على دين واحد ولا لون واحد ولا قومية واحدة.
هذا يعني أنَّ الحقيقةَ هي الاصدقُ والأطهرُ والارسخُ والأبقى من كل مُسمَّيات الترقيع والتلميع والتزييف،ولأنها أبنة الحرية: لاتُعتقل ولاتُقتَل ولاتنطفىءولاتموت .