23 ديسمبر، 2024 5:06 ص

وكالات المناصب ووكالات المعاملات

وكالات المناصب ووكالات المعاملات

الموضوع الذي يشغل جزءا من اهتمام السياسيين والرأي العام في هذه الأيام هو مدى مشروعية عمل الحكومة الحالية بعد ان تجاوزت السقف الزمني الذي حدده قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2019 ، حيث نص على وجوب إنهاء العمل بالوكالات في المناصب الحكومية وإمهال الحكومة موعدا أقصاه 30/ 6 / 2019 لتنفيذ نص هذه المادة واجبة التطبيق ، ورغم إن اغلب المناصب في الدولة والتي يبلغ عددها أكثر من 5000 تشغل بالوكالة إلا إنها بقيت على حالها أو استبدلت بوكلاء آخرين رغم انتهاء الموعد مما دعا الحكومة لتمديد هذا الموعد ، والتمديد من وجهة نظر اغلب البرلمانيين وأصحاب الخبرة في القانون غير قانوني لان القاعدة التشريعية تقول إن القانون لا يغير إلا بقانون وقرارات مجلس الوزراء أو الأمانة العامة أو رئاسة الوزراء لا تعادل قوة القانون الذي صادق عليه مجلس النواب ووافق عليه رئيس الجمهورية ونشر في الوقائع العراقية ، ومن وجهة نظر البعض إن مدة التمديد التي حددت غير كافية لان مجلس النواب مدد فصله التشريعية لشهر وعلى فرض إن الحكومة باشرت بإعمالها في إنهاء الوكالات فان الوقت غير كافي لان مجلس النواب سيبدأ عطلته لمدة شهر بعد انتهاء مدة التمديد كما إن تمرير أسماء المرشحين يواجه صعوبات لان الترشيح يخضع لمصادقة لجنة التوازن ، ومما يبرهن ذلك إن البرلمان فشل في التصويت على أسماء المرشحين للهيئات المستقلة لمرتين خلال أسبوعين كما إن منصب وزير التربية لايزال يشغل بالوكالة من قبل وزير التعليم العالي رغم إننا في موسم الامتحانات ، إذ لم يتم التوافق على هذا المنصب منذ تسعة شهور ، وهناك من يعتقد إن العمل بالوكالات لا يعرقل الأعمال لان الوكيل يمنح صلاحيات الأصيل ، ومن يرددون هذه الآراء هم نفسهم ( إلى جانب من يشاطرهم هذه الاجتهاد ) من ابقوا العديد من الوزارات والمناصب تدار بالوكالة لسنوات .
وما يثير التعجب والتساؤلات ، إذا كانت دولتنا وجهازها الحكومي ( الذين رفعوا شعار الحكومة الالكترونية ) يؤمنون ويدمنون للعمل بالوكالات فلماذا يكرهون العمل بالوكالات في انجازات المعاملات ، فمن المعروف للجميع إن تنظيم الوكالات العامة أو الخاصة للإفراد والشركات هدفه تسهيل انجاز المعاملات وعدم اضطرار أصحاب العلاقة للمراجعة بسبب حالتهم الصحية أو الاجتماعية أو كثرة الالتزامات أو السفر والتواجد خارج المحافظة أو البلاد ، والوكالات هي وثائق رسمية 100% وصادرة من كتاب العدول المرتبطين بوزارة العدل أو إنها صادرة من المحاكم أو الوزارات او السفارات والقنصليات للعراقيين المقيمين في الخارج ، ولا نعلم سر عداء الأجهزة الحكومية للوكالات بحيث ما إن ينطق الوكيل بان له وكالة إلا وطالبوه بصحة الصدور ، وصحة الصدور هي وسيلة ليست للتحقق بل إن اغلبها للاسترزاق و للابتزاز وزيادة الفساد ، فالمعقبون والدلالين الذين يفهمون لغة الفاسدين لا تتم مطالبتهم بصحة الصدور ، أما المواطن الاعتيادي فانه يذهب لصحة الصدور حيث تذهب الوكالة بيد معقب وترجع بيد معقب والمعقب موظفا حكوميا يتقاضى الرواتب والمخصصات ولكنه يطالب بأجور النقل بحجة إن ليس له وسيلة نقل ويتحمل تكاليف الذهاب والإياب ويرفض النقل بسيارة المراجع عندما تعرض عليه هذه الخدمة ، ولو كان الأمر صحيحا ولا اوجد وسيلة نقل فان الحكومة بإمكانها وضع تسعيرة وتستوفى بوصولات رسمية ولكن الأمر غير صحيح لان المعتمد يوزع يوميا عشرات المعاملات ويتقاضى أجورا من المراجعين وتتراوح حاليا بين 10 – 50 ألف دينار لكل معاملة ، وبعملية حسابية بسيطة سنكتشف إن مدخولات بعض المعقبين شهريا تفوق راتب الوزير !!.
يقول احد الموثوق بهم ، تحدثت إلى معقب في دائرة من دوائر التسجيل العقاري يوما وسألته كم تتقاض شهريا وأنت تنقل هذا العدد الكبير من المعاملات يوميا ذهابا وإيابا ، فبقول إن المعقب ضحك وقال وهل تعتقد إنهم يسمحون لي بان أتحول إلى مليونير في اقل من عام ثم استرسل : إن التعقيب مافيا كاملة يشتركون بها صناع صحة الصدور للوكالات وغير الوكالات ولكل منهم حصة من ( المالات ) بل ان بعضهم يحسبون عدد المعاملات ويأخذون حصتهم مني حسب العدد لحد الدينار ، وسأله صاحبي ما هو الحال عندما يمتنع المراجع عن دفع الأجور للمعقب فأجاب المعقب هناك عدة حلول فإما أن تتأخر معاملته أو تضيع في الصادرة والواردة أو ( نمشيها خوفا من المفاجآت فقد يكون مدسوسا من جهة ما ) وهذا كله يعتمد على خبرة المعقب في معالجة الحالات فالمعاملة أو المعاملتين لا تؤثر على ( رزقنا ) بالشكل الإجمالي ، وعن أوقات دوامه فيقول انه يحضر في نهاية الدوام ويأخذ المعاملات من الصادرة ويصحبها إلى البيت ويوزعها في صباح اليوم التالي خلال ساعتين على الأكثر وباقي الوقت نقضيه خارج الدائرة ، وتكفي هذه الشهادة لان تعيد الأجهزة المعنية حساباتها في ،أولها وضع معايير لصحة الصدور وعدم ترك الموضوع لمزاجية الموظف الذي غالبا ما يناصره المدير ، ومن واجبات المفتش العام المطالبة بإحصاءات عن عدد المعاملات التي ذهبت لصحة الصدور وعدد المخالفات ونسبتها فإذا كانت النتيجة صفر فان الموظف والمدير يجب عدهم من الفاشلين والفاسدين والمعرقلين ، وثانيها وضع ضوابط لإرسال المعاملات وإلغاء دور المعقب أما من خلال استخدام البريد الالكتروني أو بابتكار وسائل تمنع الابتزاز ، وسواء كان الموضوع بعلم رئيس الوزراء ووزرائه أو بدون علمهم فان الأجهزة الحكومية تشهد فسادا إداريا لا مثيل له ، وهذا الفساد ليس له علاقة ( بالدولة العميقة ) لأنه أخذ ينتشر بشكل واضح وفاضح ومخيف لان بعض المواطنين يبتزون أو يذل حتى عندما يراجع لدفع حقوق الدولة من الضرائب والرسوم ، وتذكروا إن هذا المرض الخطير الذي اخذ ينخر جسد الدولة مثل السرطان فمن شانه أن ينشأ كوارث اقتصادية واجتماعية وسياسية ، ونقول لمن يدعي المواطنة وحب العراقيين ( احذروا حليما إذا غضب ) وهذا ليس تهديدا وإنما دعوة مخلصة وصادقة لتخليص البلاد من الصراصر والجرذان الذين يقبلون الأيادي ( أو غيرها ) للحصول على وظيفة ثم ينقلبون على الجمهور عندما يتمكنون من تحريف الوظيفة العامة عن مسارها الصحيح .