كان قرار رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، بوقف القصف على المدنيين، ينسجم تماماً مع مواثيق حقوق الإنسان مثلما يبعث برسائل مطمئنة لسكان المحافظات الذين تعرضوا الى حرب قاسية، كانوا هم المستهدفون فيها، وليس الإرهاب، حيث دكت منازلهم بأنواع الأسلحة الثقيلة والمحرمة، ولم يسلم بيت أو مستشفى أو جامع من حمم تلقيها الطائرات ، أو تقذف بها المدافع والراجمات، مادفع بالكثير منهم الى النزوح بحثاً عن مكان لاتتساقط عليه البراميل المتفجرة والقنابل والصواريخ، فيما كان الباقون يشيعون في كل يوم أحبة لهم، وينتظرون دورهم.
وبرغم تشكيك بعض المصادر من نية إصدار مثل هذا القرار، بدعوى أنه جاء بطلب أمريكي لإفراغ الأجواء العراقية للطائرات الأمريكية، فإنه يبقى قراراً مهماً للإنفتاح نحو أفق جديد، يعيد الأمل لتلك المحافظات المنكوبة، بأن تعيش بآمان، وتطلع الى تلبية مطالبها المشروعة التي نادت بها خلال سنة كاملة بشكل سلمي قبل أن تقرر الحكومة السابقة، الإنقضاض على المعتصمين، والتنكيل بهم.
لكن هذه الخطوة، بحاجة الى متابعة، ومحاسبة أيضاً، حيث لاتزال القذائف تتساقط هنا أو هناك، والصواريخ تضل طريقها صوب الأهداف المدنية، مايثير الشكوك إزاء تبعية تلك القوات، والا كيف تستمر في قصفها بعد قرار القائد العام، بوقفه؟.
ولعل هذا التساؤل، يدفعنا الى إعادة نظر في تركيبة القوات الجوية والبرية، حيث يكثر الحديث عن وجود طيارين أجانب من دول إقليمية ، ربما لايخضعون لأوامر بغداد، وهذا ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية ، نقلاً عن طيارين أكراد، ذكروا لها أنهم رأوا طيارين إيرانيين يقودون المقاتلات ويقصفون مدنا مأهولة بالسكان، ويواصلون القصف برغم تأكدّهم من وجود مدنيين، وذلك على خلفيات طائفية، مضيفين أن الإيرانيين يصنعون قنابل برميلية، ثم يستخدمون طائرات أنتونوف وسوخوي لإلقائها على المناطق السنية، مشيرين الى أثر هذه البراميل في إلحاق أفدح
الخسائر في صفوف المدنيين.
فيما تتنوع القوات البرية، بين قوات نظامية، وميليشيات لها قوانينها ونظمها، مثلما لها قياداتها التي توجهها وتصدر لها الأوامر، من الداخل العراقي أو من خارجه، إضافة الى القوات الإقليمية التي يرى مراقبون أن تدخلها بالشأن العراقي، يزيد من الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد، لإرتباطها بالجانب الطائفي الذي يشكل حساسية مفرطة.
وإزاء هذا التداخل، والتدخل، الذي ينتهك السيادة العراقية، ينبغي على حكومة السيد العبادي أن تنهي ملف الميليشيات ، وهذا الإنهاء لايعني دمجها بالقوات الأمنية، كالسابق، أو وضع أي تكييف قانوني آخر لها، يمنحها حق حمل السلاح، وترويع المواطنيين، كما ينبغي الا تتوارى الحكومة خلف مفردات خجولة، كحصر السلاح بيد الدولة، فيما تعطي غطاء لتلك الميليشيات تحت مسمى الحشد والقوات الرديفة، لذلك لابد من إستصال الميليشيات، مثلما نشدد على ضرورة إستئصال تنظيم داعش الإرهابي.
ومن المظاهر التي تتنافى مع بناء دولة القانون، تلك الواجهات الإعلانية لعدد من الميليشيات المنتشرة في شوارع بغداد ومدن العراق الأخرى، ناهيك عن الإستعراضات التي تجريها، في الشوارع العامة، والأزقة أيضاً، ولعب دور السلطة في قضايا عديدة، حتى أصبحنا نسمع من يهدد بإسم هذه الميليشيا أو تلك لإبتزاز الآخرين.
لقد كان وقف قصف المدن، خطوة مهمة، للسيد العبادي، لكن لابد من خطوات أخرى تتبعها، لترميم البيت العراقي، من خلال إجراء مصالحة وطنية حقيقية، وإطلاق قانون العفو العام، وتبيض السجون من الأبرياء، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وبناء دولة المواطنة، وليس دولة المكون أو الحزب الواحد.