تمر الساحة الثقافية العراقية بانحصار تام نتيجة تراجع عوامل عديدة في مقدمتها هجرة الكتاب والنقاد والمثقفين الى خارج العراق ، فضلاً عن تخلي الدولة عن دورها في تنمية الساحة الثقافية مما ادى الى اختفاء او انزواء الكتاب في الشارع العراقي ، والكتاب هو احد العوامل الرئيسية لانعاش البيئة الثقافية واعادة حيويتها . فيما يتقاعس الإعلام بوسائله المختلفة عن تسويق الأعمال الأدبية الجادة وعن التعريف بالكٌتاب والشعراء فى مقابل دعمه غير المحدود لكُتاب الدراما التلفزيونية والأغانى وربما تتناول الأعمال الدرامية للشعراء بطريقة ساخرة فتقدمهم كشخوص مشوهة ومرضى نفسيين مما يساهم بدوره في عزلة الأديب وابتعاد الناس عنه واعتباره شخصاً غير متوافق مع المجتمع .
ولكن يبقى السبب الأخطر لتراجع القراءة الأدبية يكمن فى المشاكل الاقتصادية التى لا تترك وقتاً للآباء ولا للأمهات لكى يقرأوا دواوين الشعر والروايات، وفشلهم فى الحصول على عمل يمكنهم من مواجهة أعباء الحياة العامة ، فيما تراجعت المساحة التى كان يمكن أن يمارس فيها الناس قراءة الأعمال الأدبية ولم يعد لدى اصحاب الدخل وقت لتأمل حياتهم فكان الهاجس ( نأكل لنعيش ) .
وبالتالي ليس لدى الشرائح الفقيرة من الناس وقتاً للقراءة لأن الحياة تدفعهم للبحث عن أعمال إضافية و من يمتلك الوقت هم الاغنياء الجدد الا انهم مشغولين بالاستهلاك الترفى والمتع الحسية والمادية
ويمكن القول أن ما انحسر من القراءة هى القراءة فى الأعمال الأدبية والفكرية أما القراءة كنشاط إنسانى فقد أصبحت سمة يشترك فيها الناس جميعاً بدءاً من السائق الذى يقرأ لافتات وإرشادات المرور وحتى بالباحثين عن وظيفة منشورة فى إعلانات الصحف وصعوداً الى الذين يطالعون الكتب فى المكتبات العامة . فإلى ماذا تعزوا أسباب هذا التراجع والإهمال في حركة الكتاب والثقافة المقروءة ؟ هل هي منافسة الوسائل الاتصالية ذات التقنيات الجديدة ؟ أم هناك أسباب أخرى وعوائق قلصت وحجمت دوره أو عملت على تهشيمه..؟ هل هي أيضاً تأثيرات العولمة ؟ .امام هذه الاشكاليات نعتقد ان دور النشر قد ساهمت في تراجع الكتاب العراقي جراء عدم قدرتها على استقطاب الكتاب لاصدار الكتب ونشرها بالرغم من تعلق الامر بوزارة الثقافة التي لم تقدم شىء يذكر لدور النشر وبالتالي بقيت هذه الدور مكتفية باقامة معارض للكتاب وهي اعادة للكتب القديمة ولم تطالب بعرض كتب باصدارات جديدة . لقد تغنينا كثيراً فيما يقال سابقاً ( القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ ) ولكن النهضة العلمية والثقافية لا ننالها الا اذا تمكنا من الكتابة والطبع والنشر لمجابهة العولمة الثقافية واعادة امجاد عصر المأمون في بيت الحكمة والتي كانت جامعة للترجمة والعلوم والنشر . مع التحية يا وزارة الثقافة .