عرفنا الصديقة ابنة الناصرة زينة فاهوم ككاتبة للأطفال، وكان قد صدر لها في هذا المجال ثلاث مجموعات قصصية وهي : ” الظبي المسحور ” و ” النعجة والحذاء ” و ” اليعاقيب “. ورغم معرفتي وصداقتي بزينة إلا أنني لم أعرف من قبل أنها تكتب الشعر المنثور، وقد تفاجأت عندما قرات نصها الموسوم ” الالم بلغته ” المنشور في موقع صحيفة ” رأي اليوم ” التي تصدر في لندن، ويشرف عليه مؤسسه الصحافي والمحلل السياسي البارز عبد الباري عطوان.
فقد شدني النص بمضمونه وأسلوبه ورقة حروفه وصوره الأنيقة. ففيه ألم ووجع وحزن وشجن ووجد ومقاومة، ونجدها تقاوم الالم بالذكريات، بالرؤى، بالمناجاة، بالخيالات، وبقصيدة عشق لم يعهدها الزمان. ولنقرأ ما كتبته اناملها وجادت به روحها واحساسها الداخلي بكل صدق وعفوية وتلقائية وشفافية جمالية محببة :
قاوم الالم بالذكريات
بالرؤى بالمناجاة والخيالات
بقصيدة عشق لم يعهدها الزمان
اطهّر جروحي بظلال الشمس القرمزية،
واعلل نفسي بآمال واوهام سرمدية
امتطي الريح.. اطوي المسافات
اخترق جدار الاحزان واذهب الى صومعتي..
الى المكان.. حيث انصهار الروح و.. انعتاق الوجد كان
اسأل الفراشات هل من قادم زار المكان؟
وهل الدحنون وشى للحوَر اسرار اللقاء؟
وهل الطير شدا لحن الفراق؟
لصدى صوته المخمليّ ترددٌ وانعكاسات..
وهمس خطواته تزلزلني وتفقدني الاتزان..
ومرادفات العشق حيرى مبعثرة على كل جدار
جديلتي على كتفي وجهي الحريري
يتوقان لراحتيه لانعكاس الضوء في عينيه
لطيفه المسافر.. لابتسامة وجنتيه،
اصحو.. اجرجر جسدي المتهالك
ليتعتق الحزن ويصبح نبيذ وحدتي..
توارى القمر بضوئه الشاحب خلف الضباب..
اعتليت حصاني عدت مكاني ادون ما تبقى من ذكريات.
واعتمدت زينة في نصها أسلوبًا بسيطًا سلسًا بليغًا ومتميزًا، والمعجم الذي وظفته من كلمات ومفردات من السهل الممتنع وصاغته بقالب فني بديع.
والشعر ليس في تعقيداته، بل أجمل وأفضل الالوان الشعرية تلك التي كتبت وتكتب بلغة الروح، وبشعرية واضحة يفهمها الجميع. والقصيدة الناضجة الناجحة تمتلك مفاتيحها المحكمة التي لا تستغلق على ذوي الذوق والحدس الذكي، إنها الصورة الجميلة والموسيقى المتناسقة مع اللغة والحدث، ومع الشكل والمضمون.
والإلهام عند زينة فاهوم ليس ضربًا من ضروب الخيال، بل هو معاناة داخلية عميقة وتجربة مع الكتابة والحياة، وتعبير عن الهم والوجع الإنساني العام. وهي ترصع نصها بصور شعرية قائمة على الجمال والبساطة، وتعتمد اللفظ الموحي والتوزيع الوتري والعزف الإيقاعي، والمناخ الموسيقي للقصيدة يعمق قدرة اللغة على تحريك الخيال والاقناع النفسي والإمتاع الروحي والحسي.
ويمكننا القول أن كتابة زينة فاهوم جميلة ومعبرة وموحية فيها عبق الروح ونبض الصدر ورهافة الإحساس، فلها منا أطيب الامنيات بالنجاح والتطور والتألق أكثر، ومتابعة المشوار مع الكلمة العطرة الهادفة الصادقة الواضحة، البعيدة عن الكليشهات والتعقيدات والرموز المبهمة.