19 ديسمبر، 2024 8:19 ص

وقفة مع قصيدة ..تمثال.. للشاعرة ايمان الفحام

وقفة مع قصيدة ..تمثال.. للشاعرة ايمان الفحام

فجوة توقعات المحسوس المجرد
الأدب الرمزي منطلق هام في عملية تتويج مهامنا الثقافية , والكاتب بكل فعاليات نشاطه الكتابي يعد رمزاً كما يقول ( كاسيرير ) وقد شكل الامتلاك الرمزي في الكتابة الشعرية مرحلة حاسمة في تحول النص من كائن مباشر مستلم لآليات التوقع اليومي , الى صوت واعٍ يشق طريقه خارج الإنغماس بما هو عادي أو مباشر.. وعلى هذا الاساس المسند من هذه الإضاءة تواجهنا قصيدة ( تمثال ) للشاعرة إيمان الفحام , المنشورة من على صفحات عزيزتنا

( ألف ياء / صحيفة الزمان / العدد 3213/من شباط 2009 ) وفي قصيدة ( تمثال ) نواجه الوظيفة الرمزية قد جاءتنا ضمن موقع خاص وأستخدام ينظم تجربته في أنفصال عن قصدية الفعل التمهيدي لعملية ( البناء المركزي ) فمثلاً نجد العنونة العامة للقصيدة تحت مؤشر ( تمثال ) وعند قراءتنا لمتن القصيدة لا نعثر على أي شيءٍ ما يشير على وجود تمثال , بل أننا نتفاجأ بوجود مثل هكذا قول :-

في المرايا

تنمو حرائقي

وكالخبز تخرج من أوردتي

وبعيداً

في الظل تعقد صفقتها ..

وهذا مايقودنا إلى القول من جديد بأن الكتابة الرمزية في القصيدة ليست

( أختباء الأشياء خلف الخطاب ) بقدر ماهي كشفاً جمالياً للنص وتنشيطاً حدوسياً لمخيلة علاقات وظيفة الأشياء داخل مكونات الخطاب الشعري , فعندما ينحاز الشاعر الى هذا الفهم القاصر لوظيفة دلالة الرمز , فأنه بهذا لربما لا يقصي ولا يصادر , الا بضمن حدود دلالة مغيبة تستنفدها قراءة أسقاطية ضالة لحيثيات النص المقروء .. وبهذا نناشد الشاعرة الفحام بالقول: أن محاولة الكتابة الشعرية بهذه الطريقة , لربما من شأنها أولاً تغييب كل المحددات لنقطة الأستدلال التي من خلالها نهتدي لفحوى ثيمة الموضوعة الشعرية , كما الحال ينطبق على قولك بهذه الفقرة:

تلبس لسانا محترفاً

وقشرا ينزعه جرحي

ليغطي عري أنوثتها

لاشيء في السطح

سوى الياسمين يراود

جثث الأسماك ..

أن رؤية الشاعرة الفحام بهذه المقاطع لربما هي أقرب ماتكون عليه وظيفية

( الصورة التقطيعية ) في إيراد المستوى البؤروي المجرد من دلالية المتوقع , فعندما تقول الشاعرة ( وقشراً ينزعه جرحي ) ثم بعد ذلك ( ليغطي عري أنوثتها ) فالقارئ بهذا لربما يفتقد الى مصدرية المخاطب هنا , والى صوت الضمير في إنتاج المعرفة , وهذا من شأنه يقودنا الى الاعتقاد , بأن المعرفة الشاعرة في قصيدتها تستند الى مخاطبة ضمير ( اللا شيء ) :-

فقاقيع الدم تسير في قدحي

كالنمل

والزجاج عالق في الخبز ..

ان القارئ لقصيدة ( تمثال ) قد لا يميز بعض الشيء حجم التعارض الذي قد وقعت فيه الشاعرة الفحام , كما وأنا في الواقع لا أعرف ما ترمي إليه الشاعرة بقولها مثلاً

( والزجاج عالق في الخبز ) ومن جهة أخرى قولها ( كالنمل ) إذن ماهو الترابط الدلالي بين هذا وذاك . إن الموضوع التوضيفي لعله يبدو في مقاطع القصيدة أكبر حجماً من الأداة التي تقوم بتمثيله , وهذا مايفسر مدى الاحالات المتنافرة دلالياً في تحول ( المشار اليه ) الى مجرد

( لعبة مفرداتية ) في سلسلة ( المعنى المؤول ) . ان عملية التمثيل الاحالي بهوية الرمز , لربما تعد وظيفة تنافرية في وجه سلوكية الدلالة الرئيسة في النص , وعلى هذه الفكره , تنقاد قصيدة

( تمثال ) بمعنى الامساك عن توليد سياقات علاماتية تكون واضحة وسليمة من على أساس مبدأ وظيفة ( الدال / المدلول ) لا أن تقوم القصيدة كما وجدناها في نص ( تمثال ) بملء البياضات على أساس وجود حالات من التوفر لكيان التصويرية والتي بقيت عائمة بداخل القصيدة , تشكو من مركزية المجرد اللامنظم . هذا بالضبط ماوجدناه في قصيدة الشاعرة الفحام , كما أرجو من الشاعرة أن لا تؤاخذنا على ملاحظاتنا هذه , لأن لها في هذا أغناءاً لقصيدتها وليس انتقاصاً من قيمتها , وهذا أمر بالغ الأهمية في التعاطي مع أراء وتصورات الآخرين , كما أيضاً والاهم من هذا , هو أن قراءتنا هذه قد توصلت الى عنونة هي بمثابة التمرين الذي يراد به اصحاح و صحة نظرية قراءة النص , وهذه العنونة قد جاءت بهذا المضي

(فجوة توقعات المحسوس المجرد) وعند السؤال عن سبب هكذا عنونة نقول: ان مردودية الكتابة بوظيفة المجرد أو الرمز لا تقاس الا في القدرة على اكتشاف أنساق لم تكن مرئية من خلال القصدية المباشرة للنص المجرد و النموذج المجرد من ناحية أخيرة تعتبر فكرة الكتابة بالرمز المجرد مرحلة حاسمة مبنية على أساس الرغبة في صوغ الشاعر لرغباته من خلال ممارسة لحظوية لتجليات الخطابية المتعددة , أما من ناحية خاصة وقد تنطبق على قصيدة ( تمثال ) فيبدو الرمز المجرد لفكرة المحور ( تمثال ) بمثابة ( هروب الشاعر ) الى قاع توصيفات نصه , حيث تواجد عالم خاص من اللغة والطقوس والتسميات والتمييز .. ان قصيدة الشاعرة إيمان الفحام بكل هذا , لربما تشكل نوعاً ما من العودة داخل ( فجوة توقعات المحسوس المجرد ) وردود أفعال لحظوية لا تستحضر سوى لحظة كتابة أنسحابها المحسوس من زمن توقعات رمزها المجرد في أندراجات حلمها الذي بات بلا قلب .. ولا جسد .. ولا روح وزيادة على كل هذا , فأن القارئ لقصيدة ( تمثال ) لربما يشعر وهو ينهي قراءة الضربات الأخيره من زمن القصيدة بأن القصيدة بحاجة الى أن تكتمل , وهذا الشيء ما شعرنا به عند نهاية هذه الضربة الناقصة :-

( وكالنسر يعود .. يرسم ثورتي بيديه..يجلد وحشتي.. ) وفي جميع الحالات , ولايبدو أن هناك مايوحي بنهاية شيء ما , باستثناء , وجود أمر ذلك الضمير الغائب والمقصي بكل المعاني الممكنة , مما يجعل القصيدة أشبه بمركب عائم في عباب أمواج نهر جاف منذ سنين طويلة..

أحدث المقالات

أحدث المقالات