23 ديسمبر، 2024 4:10 م

 وقفة مع قصيدة ( اين ولت اقمار صوتك الاسيرة بين ملح السنوات؟ ) لنصيف الناصري

 وقفة مع قصيدة ( اين ولت اقمار صوتك الاسيرة بين ملح السنوات؟ ) لنصيف الناصري

الدلالة المنشطرة في لعبة ترائي الضمائر
تشاخيص العلاقات بين الذات الشعرية والواقع العياني من جانب ، وبين ( دلالات الانشطار ) وامكانيات حياة الشاعر في رغبة التواصل بين ( الاحساس والانفعال ) غير انشطار حياة الدلالة هذه ، نجدها في تجربة ( الذات / الافق / الوجود في كينونة العلاقة ) ما هي الا عوالم في سديم تكوينات صوت هشاشة المنتج اللغوي ، وبين اللغة المعاشة بموجب حالة خاصة : مطفئة او مشبعة او هي لمجرد الرغبة في صراع الاحساس بوصفية التحقق ( خارج اشكالية مصير الدلالة ). بهذا نجد كل ما قد قلناه بهذه الاضاءة ، لربما يقارب سعينا الى تثبيت حقيقة ان الإحساس بأفاق عضوية شعورنا بأسماء وعلامات وتصانيف مشخصات دلالات وعلاقات المقروء ، لربما قد لاتجد لها دائماً ذلك الانسجام في وضوحية مسمياتنا المسندة لمناقد رغائبنا داخل الذات او داخل حيلولتنا في وظيفة مصير وجودنا بأزاء تحقيق قيمة المقروء: هذا ما قد وجدناه ينتمي حصراً في تجربة الشاعر ( نصيف الناصري ) من قصيدته ( اين ولت اقمار صوتك الاسيرة ) المنشورة في صحيفة الزمان العدد (2464/ يوليو 2006 ) واذا كنا نجد في قصيدة الشاعر ذلك الانفعال الخطابي ، فأن مرد هذا يعود ، بكون ان طريقة عرض علاقات الذات الشاعرة للاشياء قد كانت ميالة نحو انفعال توصيفي لربما قد لايعطي لنا كل ذلك التقصي ، الذي قد اظهره الشاعر الناصري ، من خلال فيوضات ( القصيدة مراثِ لعالم انتهى ) او انه بطريقة اخرى ، يشارف على نقطة ارتكاز متلاشية في انشطار طوفان الدلالة :-

لاميثاق لي مع النور

والمرايا .

اصوات مرتبكة

وفوضى عذابات .

امال لا تحصى واوراق

ذكريات وضيئة ، وخسارات

الحب

الصائتة تترنح فوق مداخن

احلامي .

لا ميثاق لي مع انعكاسات

سنبلة الغفران

وفيض النعمة ووعد

شفاعتك :

ان انفعالية الناصري اللغوية ، تبدو لنا احيانا هي الشطر الكفيل في متابعة ومراقبة الراوي مع زمنية مدلول تجربته المنشطرة في علاماتها نحو ظل ( الحلم / انشطار الدلالة / نزعة وجود المتغير / تفكيك الاشياء ..) أي ان قول مثل ( لا ميثاق لي مع النور ) ثم جملة ( والمرايا ) قد تؤدي الى اجلى ترسيمة :- ( النور مع ارادة الميثاق + المرايا = بداية قلق اصوات ارتباك = فوضى وعذابات امال

اوراق خسارات = لاميثاق مع شفاعتك = سنبلة الغفران ..) ان تجربة قصيدة الناصري تشارف على هذه الرؤية ، أي ان كون الاحساس يتحول الى وجود يومي ثم بالتالي الى شبكة احالات في حياة كيانية ( شفرة التموضع لمعنى ما ؟ ) واذا كان الناصري حريصا على اسقاط وجوده الخطابي في مجال ( النزعة التشاؤمية ) فان ذلك متاتي بسبب ( التفكك والتفسخ ) في صورة العدم المنعكسة على هوية تلك الذات المتكلمة عن طابعها الاشكالي في نقل وتصوير طابعية الماساتي من الفعل اليومي :-

بين ملح السنوات ؟ اتعثر

الان بكلمة البئر المنكسة ولا

استبين فتنة المجرات .

اتعثر بصوت الظلال

ووثائق شتاءات الكرة

الارضية .

تجمدت كل ايامي في

صخور ومعادلات نواقيس

غيابك الشجية .

تغيبين في تسكعات طويلة

حول غفران الشمس

واحسانها ، وحجر براءتك في

استغاثته البليغة .

قد تبدو الطريقة التي يسلكها الناصري في بناء مقاطع قصيدته ، كما لو كانت حركات ( رؤيا صراعية في قلب الموصوف ) الا ان من يقراها ، يجدها مجرد ملفوظات خطابية تتلمس طريقها نحو ( قيود اللغة ) الا اننا نجدها في الوقت نفسه ، طريقا بلا عقبات ، باستثناء ،مظاهر انشطارات الدلالات ومظاهر تلصلصات لعبة( ترائي الضمائرية ) كما في قول الشاعر ( هما : الاوراد العالية ) ( اتعثر الان ) ( هاويتها المحتاطة ) ( لاميثاق لي ) ( يجبر الوردة على الصمت ) ، ان مظاهر تعدد وظائفية ظمائر الاشارة ، قد احال من روح معطيات القصيدة الى نوع ما من اختلافية شعورنا بمدى تجريد الشاعر نفسه لوظيفة ( استراتيجية التلقي ) ، واذا كان واجبا علينا ان نقدم هذه الملاحظة بماخذ من البراهين والمداليل ، فواجب انذاك علينا ايضا القول بان التكوينات الخطابية في قصيدة الناصري ، هي في واقع الامر ماحتم وجود وظيفة ( ترائي الضمائرية ) وذلك يعود بسبب ، من ان طبيعة الوصف والتوصيف في القصيدة قد اتخذ طابع الانتماء الى لحظة الهيمنة ، أي الى انبثاق حالة من حالات البحث عن المشاعر وتصورات المغايرة وهذا بدوره مايفسر ( الهيمنة الماضوية ) للغة الادائية في كيفية صنع ووضع شكلية اللحظة الحاضرة من السياق العام للقصيدة : وعلى الرغم من الثقة التي بدات بها وكتبت قصيدة ( اين ولت اقمار صوتك ) فان هذه الثقة الظاهرة بدورها كان ينبغي لها ملازمة المسار الفعلي الذي اتخذته هذه الحركة التاليفية من بعد ، وفيما تعارفنا عليه من مسكونية الوعي الشعري في اعمال ونماذج شعرية سابقة للشاعر ، ومهما تكون نظرتنا اليوم لقصيدة الشاعر في سؤال الابداع والتغير، فاننا لانستطيع تجاوز عقبات ماهو مخل بوظيفة طموحنا بهذا الشاعر ، فمتلا على سبيل المثال ، وجدنا قصيدة ( اين ولت اقمار صوتك ) تشكل نظاماً من المنجز الخطابي ، الذي يسـتهدف منح القصيدة في كل مقاطعها التاسيسية لمحولة الناصري في وضع المواقف والحالات ضمن لازمة التعاقد الموصوفي المتوارث مع سلفية ( قصيدة العامود ) مما جعلنا نشعر بأن هذه القصيدة ماهي الا ( معبد سلفي ) لأصداء نغمات وفاعليات ونشاطات قصيدة العامود ، ومن هنا قد اضافة هذه المغامرة من لدن الناصري بمثابة كسب ( الصفحات غير المطلوبة ؟) من زمن نسقية المقروء الشعري .

ينطلق اللهب من رتابة الاغنية

في الاوراق المحترقة لصيف

الشجرة .

السطوة على الجبين

والغبار في فعل الانسان

كل ميت وصفاء سريرته

كل برودة ونسيجها

قناديل حشرة الغراب التي

ترهقها مروج الالهة المملوحة .

من هذا لابد من القول : ماذا يريد الناصري ؟ أيريد امتلاك الكائنات المفرداتية التي تعجبه من حيازة هكذا صور واستعمالات لغوية ؟

ام انه يحاول احتضان المزيد من سلالم النغمات المهجنة في صور القصيدة ؟

الا اننا من جهة خاصة بنا هي اقرب الى وجهة النظر ، نجد بأن قصيدة الشاعر باتت اشبه بـ ( مومس خرقاء ) بعدما اثقلها الناصري بمخاليط توصيفية واستعارية لم تكن بالمناسبة حتى تستوعبها ارضية تجربة القصيدة :

اهتزازات نجمة طفولة

الانسان وانطفاؤها تحت

ظلال سيف النوم..

قبلو بطيئة وباردة تشبه

الضفة المطعونة للوردة

شعلة فارغة

سهر الانسان المنبطح على

ليل الغابة الفانية

سهر عزلته وصلابة لغزه

عبر الهاوية المنغلقة على

ذاتها

في هذه المقاطع شبه ما قبل الختام من قصيدة ( اين ولت أقمار صوتك الاسيرة ) هل بأمكان ( نصيف الناصري ) من ان يفسر لنا مدى ارتباط هذه الوظائف الاستعارية من زمن وظيفية (المشبه / المشبه به ) : ( نجمة طفولة الانسان .. تحت ظلال سيف النوم ) فأنا شخصياً لا اعرف مدى ترابط هكذا قول ، ثم اننا لربما من جهة ما ، لانعثر بحدود حيز هكذا اضمار وصفي ، اية اتمامات تعبيرية من شأنها بناء مشهد ايهامي بوظيفة المشبه به .. وفي الختام من هذا نجد اننا بحاجة لقول شيء ما للشاعر العزيز ( نصيف الناصري ) :- ان شعراء جيل الرواد بجانب قصيدة الريادة ، لم يكن واحداً منهم ، بحاجة لمحاكاة البعض الاخر منه ، وذلك لان كل واحد منهم ايضا كان يمتلك مشروعه الحقيقي بكتابة القصيدة المؤثرة فيه وفينا ، فعلى الرغم من ان بعظهم ولا سيما في حدود مجال ( قصيدة العامود ) اضحى ممن يشغل صوت الاخرين مساحة واضحة في مجال اشتغاله للقصيدة ، الا انه وفي مرور الوقت اضحى هذا الضعف مع المعالجة مشروعاً مستحسناً ومرغوباً ، اما فيما يتعلق بمساحة اشتغالك انت كشاعر امام نصك لربما تبدو غير مناسبة في فرصة المقاربة والمحاكاو مع تلك الاجيال التي لاتملك سوى الحضور التأريخي والمتحفي من القصيدة المعاصرة .. كما اننا نحث أي شاعر يبحث عن فرصة الابداع في نصه ، أي ان لايكون سوى مجرد حضوراً تصويرياً في حياة لحظته الحاضرة من زمن صياغة وتدوين رؤياه المعاشة في عنف اللحظة الشعرية .