4 نوفمبر، 2024 9:37 م
Search
Close this search box.

وقفة مع شاكر السماوي

وقفة مع شاكر السماوي

يزخر العراق بالشعراء الشعبيين بكثرة. وهذا في اعتقادي نابع من طابع الحزن المتغلب على هذا الشعب، حيث ان الشعر الشعبي يفصح عما يختلج في الذات، وصراخ من داخل النفس عن الرفض بلغة بسيطة تنسجم مع العامة. من هؤلاء الشعراء، شاكر السماوي الذي ولد سنة ١٩٣٦ واسمه: شاكر عبد سماوي دون ان يكون للقبه اية صلة بمدينة السماوة، فهو ولد بمحافظة الديوانية … احسب ان هذا الشاعر قد ظلم اعلامياً, وعومل باجحاف من قبل الكثير، فهو احد اعمدة القصيدة الشعبية العراقية، ويعتبر من جيل ذهبي خرج منه: (مظفر النواب، وعريان السيد خلف، وكاظم اسماعيل الگاطع, والكثير من الاسماء التي سجلت حضوراً واسعاً في معترك الادب الشعبي). عاش هذا الشاعر معاناة قوية, ولاقى من الظلم مايصعب تحمله . فوالده الذي ينحدر من الريف كان ذو قلب قاس، حتى طرد زوجته وابنائه، ومنهم شاكر السماوي. فكانت لهذه الحادثة اثر بليغ في صقل شخصية الشاعر واخوته: الشاعر عزيز السماوي، والدكتور سعدي السماوي. وكان ثمار هذه المعاناة انهم مثلوا صوتاً ثقافياً بارزاً منذ بداية الستينيات الى الآن . الحديث عن هذا الشاعر لايسعفه مقال او مقالين ، فهو ذو مواهب متعددة اضافة الى الشعر منها المسرح, والكتابة الفلسفية, والخوض في طرق ثقافية عدة . وكذلك عاش في منعطفات يجب الوقوف عندها فهو مناضل، وقائداً في الحزب الشيوعي العراقي, وقد كان للنضال اثر في شعره… اثبت السماوي نفسه من خلال قصائده وحضوره المميز في الشارع العراقي فقد كتب قصائده منحازاً الى الانسان كقيمة مطلقة تسقط ازاء المعاناة والعذابات الفردية كل الاعتبارات الايدلوجية. حتى وإن كان منتمي الى حزب او جهة معينة فإنه من خلال هذه الجهة استطاع ان يحقق مايصبو اليه من رفض لكل الانظمة الجائرة . استقال من عضوية الحزب الشيوعي العراقي. واعلن أنه سيكرس نفسه للادب والكتابة والدفاع عن الفقراء الذين هو منهم..وقد تكلم ذات مرة, عن انتمائه للحزب الشيوعي, وكذلك ارادوا من خلال هذه هوية النيل منه ومن نضاله حتى انه لجأ الى المباشرة في تأكيد هويته وماكان الهدف منها، وهو مالمسناه في قصيدة (ياحزبنا) التي يقدم فيها اعترافاً صريحاً بفضل الحزب على ماوصل اليه الشاعر من معرفة وعلو في حياته الثقافية: (حزبنه ياحزبنه ياحزب كل زين تمتحنه التجاريب, ياحزب المعامل والمناجل والمراجل والصدكَـ والطيب, تعلمنه الشهامه منك وبيك, اوتعلمنه الشعب تفديه ويفديك, اوتعلمنه العصر تهديه ويهديك, اوتعلمنه الوطن بس بيك ينطينه). استخدم اليسار طريقاً لتحقيق الاحلام الانسانية التي يهفو لها الاحرار في العالم، وحينما رأى المصلحة ان يواصل طريقه في الكتابة ترك الحزب, واتجه نحو اليراع النقي المتدفق بخلايا الجمال والابداع . اهتم ابا طلعت في الوطن فهو الاول والاخير في اهتماماته التي تنصب على الهموم الانسانية التي يعيشها الانسان في العالم. فقد اخذته امواج الغربة كغيره من الشعراء العراقيين الاحرار . خرج شاكر حاملاً انتماءه الى العراق ليهاجر بفكره وقلمه ليرسم اشعاره من دون اي قيد من قبل السلطات الظالمة التي تريد ان تكمم افواه الشاعر وتجعله يكتب وفق اهوائها وسياستها . خرج السماوي من وطنه يصرخ الصرخة تلو الاخرى ليصور لنا عذابات الانسان المعاصر, ويحمل من بين قصائده جراحه وهمومه في ظل الانظمة المستبدة . فكان يصرخ الصرخات الثورية التي لاتعرف للسكوت معنى: (ابد مو عيب تلگه السيف مثلوم ابطعن خنجر, لچن العار.. كل العار.. على كل سيف لو زنجر, الجرح نيشان ذاك السيف. چان ابحومته يفتر, نجمه السيف تضوي ابليل.. من تزرگ تضوي اكثر, شرف للنور ما فكر بالمجازاة لو نور, يفيض او ما تلمه اجفون (حاتم) عالزمن يكبر). انه الشاعر الذي لايرضى بالخنوع ولايعرف الذل ابداً. تجد قصائده مكللة بالعذاب الذي يشعره المجتمع العراقي, فيطالبهم بان يكونوا صوتاً صادحاً بالحق, وان لايخنعوا في مسيرتهم الثورية العظيمة: (ابد لا لا تگل للهم.. رضيت ابعشرة العلگم, ولا ريدن جفن بالضيم.. يتندى ابضباب الهم, ونچان السهم مض بيك، عيب اعله الجرح يندم, باچرنا اعله جرح الطيف، جرح اعله الجرح بلسم). قصائد السماوي تأملت كثيراً في الكينونة البشرية الهشة والعدالة التي تفرزها, والمورثات الاجتماعية التي اصبحت مقدسة , انها قصائد لاتثق الا بالالم الانساني الذي يفترض ان يثير من خلاله الكثير من الاسئلة, والمحاورة للضمير البشري الاعمى . اسئلة تكاد تكون عتاباً مريراً عن السلوكيات التي يتخذها الانسان في ظلم اخيه الانسان, فهو يقول مخاطباً الحسين (ع) مذكراً بما فعله البشر معه من ظلامات يندى لها الجبين الانساني انهم لازالوا يتكررون كل يوم وكل ساعة (يحسين الجفوف الباعتك بالماي, لهسّه اتبيع كل حسين, العطش ذاك العطش، محد..شتل عالمشرعه اجدامه, الشمر ذاك الشمر، لساع.. يحد اسيوفه بالهامه). وكذلك استمد هذا العتاب من وضع الوطن فهو يسري في السماوي, وينبض في قلبه, وضميره الحي, خارطته, نخيله, اشجاره, وتاريخه السومري العظيم :(من سومر.. من بابل، جيتچ, يا دنيا او شايل بعيوني, باچر والعگبه او ما گالت, گاع الطف او گاع البصره, وسوالف بحروف الشمعه، وفاضت آيات اعله اشفافي, اشما شابت خضرة الصفصافه) . كذلك انه يفخر بالشخصية العراقية الاصيلة التي تصمد امام الملمات, ولاتكترث لكل المصائب التي تحدث امامها, وكذلك انها شخصية ذات نزعة ثورية بدأت معها منذ القدم, وانها متميزة بعطاء ثوري لاينضب : (يبحر المايريد ايموت هذا آنه مضيف الجاع, هذا آنه درب للضاع, هذا آنه الأطش الروح, ملح للسعفات للصفصاف للياس الذبل مهضوم, تراني الكل طفل محروم صوغه اوعيد, لصوغن من بيابي العين للفانوس شيشه اتلملم انواره, هذا آنه ألف جاره, وحك ماي الفرات الماحوى اكتاره, لاكت اعلى العدو فالات, واعلك للشمت عارات تتشفن اوتكله, شوف: موكل من تفيض ادماه حسبالك نشف لومات , سيف آنه ابثلاثه احدود, دبيه موت, حد قداح, حد يلمض, اودرعي الموت كلي الموت بيه الموت هم ايمض؟). شاكر السماوي شاعر عظيم, جعل من شعره رسالة وإرثا ثقافيا لا يمكن الا أن يكون محطات مضيئة للأجيال اللاحقة التي تبحث عن الابداع والجمال والرسالة الانسانية السامية التي تكون مناراً وعلماً يهتدى به . وكما اريد ان اذكر, ان هذا الذي كتبته ليس بحثاً وافياً, او دراسة نقدية ممنهجة, وخاضعة للمقاييس التي يكتب فيها النقد, وانما تسليط الضوء على هذه القامة الشعرية العراقية الباسقة .

أحدث المقالات