في زيارتي الآخيرة الى بلدي العراق وديرتي قرية الهويدر ، حظيت بلقاء أهل وأصدقاء ورفاق وأحبة فارقتهم سنوات طويلة ، كان من بين هؤلاء الأحبة الشاعر والروائي إبراهيم البهرزي ، ذات مساء ندي ، وأنا جالس على أسرة مقهى دردي الأثيرة في قرية الهويدر مع الاصدقاء فراس الشيباني رئيس أتحاد أدباء وكتاب ديالى والباحث والاستاذ عبد الكريم الكفشي في زاوية تلك المقهى وفي متعة الحوار حول هموم الوطن وعطر الذكريات . أقترح علينا الاستاذ فراس الشيباني بزيارة الشاعر إبراهيم البهرزي في بيته بمدينة بهرز ، فقادنا بسيارته الى بيته ، وقد أستقبلنا برحابة صدر وشوق كعادته مرحباً بنا ، وعلى مجعات القهوة المرة دارت أحاديثنا المتنوعة حول الوطن والثقافة والسياسة بين الأمس واليوم في الموقف والمبدأ .
وبعد أن أرتشفنا فناجين قهوته المرة بادره الاستاذ فراس الشيباني بنشاط أتحاد الادباء القادم بأستضافتي للحديث عن تجربتي في الغربة والتجربة والكتابة . وقال له : نحن نرغب ستكون أنت يا إبراهيم في إدارة الامسية ، ورغم تردده في البدء برغبته في العزلة وتردده في حضور تلك اللقاءت وبعده عن تلك النشاطات ، لكنه أعرب عن تقديره لنا في حرارة هذا اللقاء بعد هذه السنوات الطويلة رحب بتلك الفكرة ، وكنا ممتنيين له ولموقفه في تقديره لحضورنا وهذه من شيمه الكبيرة . وكان خير لقاء وحضور ومحاور .
في نهاية اللقاء أهداني روايته الآخيرة ” حسن أوبك ” المنشورة عبر دار نشر درابين في العاصمة بغداد وفي صفحة واقع ٢٦٧ من القطع المتوسط وبغلاف معبر بدقة وأنيق عن أسم وأحداث وشخصيات الرواية ، والتي تدور أحداثها في العراق وحصراً في مدينة بعقوبة ، كما كان واضحاً من خلال تجسيد الشخصيات وبناؤها ولغة حواراتها وواقعية الزمان والمكان .
ومن الصفحات الأولى في الرواية تشدك وتشير لك الاحداث عن عمق المأساة التي مر بها شعبنا بعدة حقب تاريخية قريبتين الى المتابع والمشاهد والمرحلة ، حقبة نظام البعث وتعامله مع أبناء شعبه ، وتهاوي ذلك النظام بفعل الدبابة الامريكية والنتائج المدمرة من خلال شخصيات الرواية بين الموقف والتزلف والتذبذب في المواقف في التعامل مع الوضع الجديد على حساب المباديء وسنوات النضال .
تمكن إبراهيم البهرزي وبحرفية عالية وبعين سياسي راصد للاحداث بدقة وأمانة في تتبع مسيرة التطورات التي عصفت بالعراق وأهله من خلال عرض تطورات كل شخصية في العمل ومواقفها من الاحداث في الفترة السابقة ، فترة نظام البعث وما بعد رحيله في بناء درامي متصاعد على شتى الاصعدة السياسية والاجتماعية والفكرية والإخلاقية ومنظومة العلاقات بين تلك الشخصيات وتوجهاتها الفكرية والسياسية .
النموذج الساطع في مفصل التطورات التي حلت بالعراق جراء إحتلاله هو شخصية خليل الترزي وسرعة تنقلاته من حضن النظام الدافيء السابق الى حضن النظام السياسي الجديد والذي نصبه المحتل ومن خلال تشبثه السياسي الجديد بإنتمائه الشيوعي السابق وتسلسله عبر تلك المنظومة لكي يكون له شأن وموقع جديد متنكراً ماضيه التعيس وناكراً حقوق أم محمد وزوجة حسن أوبك السيدة سامية أخت البعثي المتغطرس الرفيق سامي والذي ينتهي به المشوار بقتله على يد الإحتلال بعد محاولته بنصب عبوة ناسفة لدبابات الامريكان ، وهو أخ الشيوعي سمير المطارد ، والذي يعيش في مملكة السويد ، وقصة عودته الى العراق بعد الإحتلال والتداعيات التي واجهته .
في بدايات قراءتي للرواية تشدك أحداثها لتسلسلها الزماني وبناؤها الدرامي ، إضافة الى الاسلوب والبناء واللغة الصافية والمعبرة عن تكوين أركان العمل وشخصياته ورؤاه المستقبلية بإعتباره شاعر وسياسي . أرتأيت أن أنشر هذا الانطباع الأول عن الرواية لغاية في نفسي لدراسة مستفيضة قادمة عن الشاعر والرواية والحدث !.