22 ديسمبر، 2024 8:15 م

وقفة مع تصريحات النائب مشعان الجبوري حول الفساد في العراق

وقفة مع تصريحات النائب مشعان الجبوري حول الفساد في العراق

على الرغم من ان الاعتراف هو دليل الإثبات الأول في القانون الجنائي ؛ بل وصف بكونه سيد الادلة , ولكن الاعتراف وحده لا يكفي ما لم تتوافر فيه الشروط القانونية الاخرى , وها هو النائب المتقلب مشعان الجبوري وكعادته يطل علينا ومن وسائل الاعلام بتصريح ناري يحرق الاخضر واليابس , اذ قال ما نصه : (( سأله مقدم البرنامج قائلا من يدير الفساد ؟ اجابه مشعان 🙁 كل احن كل واحد من عدهن اله دور في الفساد , هسه احن ب لجنة النزاهة نفتح ملفات يجون ينطوه رشوة نسكرها مثلا ) فقاطعه المقدم قائلا انت اخذت رشوة ؟ اجابه مشعان : ( اي والله , بشرفي اخذت , انطوني رشوة حتى اسكر ملف ما قبلت اسكره ,اخذتلي كم مليون دولار بس ما سكرت الملف , فما اعتبره رشوة , اعتبرته ضحكت عليه الكلب ابن الكلب الفاسد ) ؛ فقاطعه المقدم قائلا منو بعد فاسد ؟ اجابه مشعان : ( كلنه مفسدين كلنه اللابس عكال والابس عمامة والافندي , كلنه فاسدين ) فقاطعه المقدم قائلا الكل برلمان وحكومة ؟ اجابه مشعان : ( كلها فاسدة , نادر اذا مو فاسد جبان ما يكدر يفك حلكه اما فاسد ومستفاد واما قبلان بالامتيازات ال ياخذهن وماله شغل ) فقاطعه المقدم قائلا السلطة حلوة ؟ اجابه مشعان ( جدا سيارة مصفحة ومرافقه ويجي على الحاجز يكوله النائب ) فقاطعه المقدم قائلا اذن انتو سبب دمار البلد ؟ اجابه مشعان : ( طبعا كل الطبقة السياسية سبب دمار البلد , اذا اكو واحد جوعان بالشارع واذا اكو طفل ينام بليه اكل واذا اكو عراقي يموت بليه دوه , السبب هي الطبقة السياسية المتواجدة في منطقة الخضراء , والطبقة السياسية التي تدير المحافظات مو بس بالخضراء , جميعا نتحمل المسؤولية جميعا نساير كلنه نكذب كلنه نبوك كلنه ناخذ رشوة , وال يكلك اني ما اخذ مهما على شانه يكذب , لو احجي هسه يكتلوني بالشارع , اقسم بالله اعرف قصص لو يعرفوها العراقيين الا يفوتون على المنطقة الخضراء يشعلوها شعل ) فقاطعه المقدم قائلا هذه ادانة بحق كل الطبقة السياسية , اذكر قصة واحدها منها , اجابه مشعان : ( ما اكدر احجي يكتلوني باجر يحيلوني لجنة انضباط بالبرلمان , ذيج المرة مدري شكال فايق الشيخ علي شكلو لجنة تحقيق انضباط مدري شنو يكولون يسيء للبرلمان , هسه هذا الحجي احتمال يصكوني ب لجنة انضباط )

مشعان الجبوري قد اعترف اعترافا صريحا وواضحا بالفساد واخذ الرشوة بل واتهم الكل وبلا استثناء , ومن برؤه من تهمة الفساد اتهمه بالجبن او القبول بالامتيازات والسكوت ازاء الفساد و السرقات , ولم يذكر شاهدا يدعم كلامه سوى قصة حدثت معه شخصيا , اذ استولى على بضعة ملايين من الدولارات من احدهم وبطريقة اكل المال بالباطل او تصحيح الخطأ بما هو اشنع منه … ؛ ولم يعترف بتفاصيل السرقات والصفقات المشبوهة , ولم يكشف لنا عن اسماء المسؤولين الفاسدين كعادته وعادتهم التي الفناها منذ سقوط الصنم عام 2003 .

وهذه التصريحات الغامضة والكلمات العائمة واللقاءات الصحفية والاعلامية الهلامية وشعارات محاربة الفساد وكشف الفاسدين المطاطية … و التي يدلي بها هؤلاء ما هي الا نوع من اساليب الشيطنة المتعمدة للمسؤولين والفاسدين , والاستراتيجية المتبعة من قبل ساسة العراق والتي استمرت لعدة سنوات متوالية من دون تغيير جوهري , فالكل يرمي الكرة في ملعب الآخر , ويتبرأ من تبعات صفقات الفساد المستمرة وفضائح السرقات المتواصلة , والى هذه اللحظة لا توجد مبادرة حقيقية وفاعلة تستهدف حلحلة الوضع السياسي الفاسد وشبكات الفساد المعقدة والمتشابكة فيما بينها كخيوط العنكبوت في العراق ، و العمل الجاد لاسترجاع كافة اموال رجال ومرتزقة الانظمة الهجينة ولاسيما النظام البعثي التكريتي الصدامي وباثر رجعي ومصادرة كافة اموالهم في الداخل والخارج … بالإضافة الى ارجاع كافة الاموال المسروقة من العراق ولاسيما المنهوبة من محافظات الوسط والجنوب من قبل الفاسدين والمسؤولين بعد عام 2003 ، ورفع الظلم الواقع على كاهل المواطن العراقي ولاسيما الجنوبي ، وتعرية سياسة خلط الاوراق و سلوك المراوغة والكذب المتواصل ، الذي مارسه المسؤولون والفاسدون والعملاء والخونة والمرتزقة منذ سقوط النظام الصدامي الهجين … ؛ ومن دون اتخاذ اجراءات علمية و واقعية صارمة بحق الفساد والفاسدين والمفسدين ومحددة بسقف زمني ؛ يجعل من الصعوبة بمكان تصديق تلك الوعود الهلامية والشعارات الطوباوية عنٍ اصلاح ليس له ملامح واضحة المعالم أو ضمانات معلومة .

و يحمل ( ادوارد غالباتو) مسؤولية السياسيين و القيادات الحكومية في تدهور الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بسبب فسادهم الاداري والمالي ، حيث يقول : (( نحن لا نعاني من نقص في الأموال ؛ بل من زيادة في اللصوص )) وهذا ما اكده المدعو مشعان الجبوري وغيره من كهنة العملية السياسية ؛ اذ اعترف بأن كل القصص المأساوية والاحداث الدموية والفقر المستشري والبطالة و مشاهدة الاطفال المشردين في شوارع المدن وطوابير المرضى من الذين لا يحصلون على الرعاية الطبية اللازمة … في العراق ؛ هم السبب الرئيسي فيها .

فالأحزاب العراقية والشخصيات السياسية والكوادر الحكومية – وحسب قول مشعان وغيره – لديها هدف واحد فقط لا غير الا و هو كيفية نهب الاموال المتراكمة في البنك المركزي وتهريب العملة الصعبة والحصول على الغنائم والامتيازات وسلب الثروات الوطنية وتعريض خيرات الوطن واجيال العراق القادمة للخطر والافلاس … والا بماذا تفسر زيادة حيازة العراق من سندات الخزانة الامريكية إلى أكثر من 34 مليار ونصف المليار دولار ؛ في حين ان حلفاء أميركا بدأوا يهربون من سندات الخزانة الأميركية ويخفضون أرصدتهم منها، فقط حكومة العراق – ( الكاظمي ) – مما قد يؤدي الى خسائر عراقية هائلة في وقت نحن فيه بأمس الحاجة للدولار الواحد بينما يستمر مسلسل هدر الثروات الوطنية والجنوبية تحت مختلف الذرائع والحجج والشعارات السياسية والدينية وغيرهما ؛ ومما زاد الطين بلة تشريع قانون الامن الغذائي واختفاء 30 مليار دولار يراد لها ان تصرف بالشكل التالي : صرف 70 مليار دينار لأجل تأثيث وصيانة اليات مكتب رئيس الوزراء المبخوت مصطفى الكاظمي …!! ؛ وليت الامر توقف عند هذا الحد ؛ اذ تمت سرقة (2.5 مليار دولار) – اي 3.7 ترليونات دينار – من هيئة الضرائب في وزارة المالية … , ناهيك عن عمليات تهريب النفط المستمرة والتي تقدر ب مليارات الدولارات ؛ هذا وحكومة الكاظمي تتدعي الاصلاح ومحاربة الفساد …!!

ومن خلال ما تقدم وما لمسناه وشاهدناه بأم العين في السنوات السابقة والتجارب السياسية المختلفة الماضية ؛ يتضح لنا بأن محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين وارجاع الثروات الوطنية الى العراق وحل مشاكل الناس المعيشية والتخفيف عن هموم المواطنين اليومية ووضع خطط عمل تنموية كبرى للنهوض بالواقع الخدمي والصحي والتعليمي والثقافي والبنى التحتية … مجرد شعارات سمجة وادعاءات فارغة من قبل هذه الشراذم والعملاء الذين يضحكون كثيراً عندما يتحدثون بها في اجتماعاتهم المشبوهة في الغرف المظلمة … بينما يبكون عليها في الاعلام لتمريها على السذج من ابناء الامة العراقية ولاسيما الاغلبية العراقية المظلومة .

فهؤلاء المنكوسون همهم الوحيد وغايتهم الوحيدة حصد اكبر قدر ممكن من الثروات العراقية والخيرات الوطنية بل والتآمر مع الدول الاجنبية واخذ عمولات العمالة من المخابرات الدولية والشركات العالمية و حتى ان كانت على حساب تحطيم الدولة والمجازفة بمستقبل الاجيال القادمة وتخريب مدن ومحافظات الوسط والجنوب بل و مدن العراق قاطبة والدم العراقي ؛ بالإضافة الى اتباع الخطوات الشيطانية والمخططات الاستعمارية والمنكوسة من أجل تدمير الشباب العراقي واغراق العراق بالمخدرات والموبقات واشاعة الجهل والتخلف والامراض والمشاكل الاجتماعية والازمات الاقتصادية … الخ .

وليكن في علمك عزيزي القارئ ان كل ساسة العراق المنكوسين والفاسدين والعملاء والفاشلين والدخلاء والغرباء ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920 والى هذه اللحظة ؛ انما اغتنوا وتحسنت أوضاعهم المعيشية وتطورت حياتهم المادية واصبحت الدنيا طوع بنانهم ؛ بسبب العمالة والخيانة والتآمر والفساد وسرقة الدولة والشعب والمال العام والرشوة والمحسوبية والمشاريع الحقيقية و الوهمية … فما متع به سياسي عميل ذليل الا بما جاع به عراقي اصيل ؛ ولعل في مقولة (هاري ترومان) ما يؤكد ذلك : (( لا يمكنُك أن تغتني عن طريق السياسة إلا إذا كنت فاسدًا )) ، ولو كانت هنالك عدالة لامتلأت السجون بساسة العراق الغابرين والمعاصرين ؛ كما قال الكاتب ( نجيب محفوظ) في وصفه ظلم واجرام اصحاب السرايا و القصور في مصر : (( هذا البلد لو أقيم فيه ميزان عدل كما ينبغي، لامتلأت السجون، و خلت القصور… )) .

وهل توجد ادانة اكبر من تصريح مشعان الذي اعترف فيه بأن جميع السياسيين في العراق فاسدون من قمة الهرم إلى قاعدته ، بمن فيهم هو شخصياً ، واصفا الفساد في العراق بأنه فيروس كفيروس إيبولا ، بينما اعترف إياد علاوي بوجود كيانات منظمة تدير الفساد ، وبأنه لا توجد أي سلطة قادرة على مواجهة الوضع… وتستمر التصريحات وترتفع وتيرة شعارات الاصلاح ومحاربة الفساد ولكن بدون جدوى او نتائج ملموسة .

وبما ان كل الفاسدين الجدد يدعمهم فاسدون قدامى ؛ لذلك تستمر عمليات الفساد , ومن الواضح ان الفساد يطول عمره ويتمدد عموديا وافقيا كلما انسحب الشباب الغيارى والمواطنون الاصلاء والجنوبيون الاحرار والشرفاء الاخيار من ميادين العمل السياسي والحكومي والوظيفي والاعلام والحراك الوطني الثقافي ؛ واثروا السلامة والسكوت , وتخاذلوا عن نصرة العراق والعراقيين ؛ عندها يفسحون المجال لزعامة الصغار والعملاء والخونة والتافهين والجهلة والسفلة والقتلة … ؛ فكل ما نرى في العراق من فساد و ارتباك و فوضى و تدهور وتخريب وتدمير … لعل من اهم اسبابه عدم شعور الفرد بالواجب والمواطن بالمسؤولية العامة والعراقي بالوطنية .

وخير ما اختتم به المقالة مقولة الكاتب جلال عامر : (( شبكة الفساد في هذه البلاد, أكبر من شبكة الصرف الصحي ))