توقفت كثيرا وانا اعيد قراءة كتاب الاستاذ معاذ عبد الرحيم ( اوراق من ذكرياتي .. ثورة 14 تموز وخلاف عبد السلام عارف مع عبد الكريم قاسم ) بصفحاته الـ 163التي حكت لنا صفحات مهمة من تاريخ العراق الحديث عن ثورة الرابع عشر من تموز1958 ( التي تعد اهم ثورات تاريخ العراق الحديث ان لم تكن من اهم الثورات والاحداث في عموم الشرق الاوسط ..) وما تخللها من احداث مؤلمة خاصة ما يتعلق بالخلاف بين شخصيتين لاغبار على وطنيتهما هما عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم .. احداث جرت لى صراعات وعنف وتصفيات دموية مارستها مارستها مختلف الاحزاب والتيارات الوطنية كانت السبب للاجهاز على اعز احلام الجماهير في تحقيق تطلعاتها المشروعة في مجتمع كريم يحظى المواطن فيه بفرصة للعيش الكريم ..
وبرأي المتواضع فان اهمية الكتاب تأتي من كون صاحب الذكريات شارك وعايش احداثها وكان شاهداً عليها كما انه الاخر مثل غيره عانى من تسخير الاحزاب الوطنية والقومية للشعارات للاستحواذ على السلطة وتسخيرها لقمع الاخر الذي كان حليفه بالامس كما حصل في نكوصها عن مفاهيم وروح جبهة الاتحاد الوطني عام 1956 التي كانت احد اهم اسباب نجاح ثورة الرابع عشر من تموز..
واحسب ان الاستاذ ( ابو سعد ) معاذ عبد الرحيم كان وهو يرصد ما يحدث ظل وما زال يبحث عن طريق ينقذ الوطن مما قد تجره اليه صراعات الاحزاب الوطنية والقومية فنراه يغادر صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انتمى اليه مبكرا لينظم الى التيار الناصري ثم يأمل ان تكون في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي انبثقت في فرصة جديدة لمراجعة هذه الاحزاب مواقفها والتوجه لبناء الوطن بعيدا عن عقدة الزعامة والتسلط لكنه وكما يبدو يصاب بالخيبة مرة اخرى فيغادر العراق وينتمي الى حركة الوفاق الوطني ليعود الى العراق بعد الاحتلال ويساهم بتشكيل حزب الائتلاف الوطني الديمقراطي .
ان الوقفة الموضوعية مع اوراق ذكريات الاستاذ معاذ تدفعنا الى الاعتراف بان جميع الاحزاب الوطنية والقومية ارتكبت اخطاء جسيمة جرت الوطن الى ما لايحمد عقباه بل كانت احد اسباب احسارها عن الساحة السياسية وفقدان ذاك البريق الذي كان يضيء الدرب للمواطنين وهم ينشدون خلاصهم سواء بتحقيق ( وطن حر وشعب سعيد ) او ( بوحدة عربية وحرية واشتراكية) .. وجميع ذلك لم يتحقق بل ترانا ابتعدنا عن حدوده الدنيا في خضم ما نعيشه من اوضاع سيئة غيبت فيها قيم المواطنة وقيم الوطنية والقومية وارتفعت فيها الشعارات والاصوات الطائفية . من عاصر احداث ثورة الرابع عشر من تموز وما بعدها يدرك ويتحسس مستوى ما سببته صراعات الاحزاب من خيبات بل ما ضيعته من آمال واحلام وعدد المواطنين الذين راحوا ضحية هذه الصراعات ليس لشيء الا بسبب انتماء فكري قد يخالف الاخر.. صور محزنة ودامية ساهمت جميع الاحزاب من شيوعي ابو بعثي او قومي بصتعها بهذا القدر او ذاك
ظلت عالقة في الاذهان ولم يستطع الكثير منهم مغادرة عقدها .. واذكر هنا ان الكاظمية ظلت لسنوات تعيش مأساة ( سحل ) المواطن عبد الامير الطويل مثلما بقيت تعيش مأساة قتل المواطن سعيد متروك في 1963
اخيرا لست هنا في معرض تقييم هذا الكتاب ولكن بصراحة فان الاستاذ معاذ وهو يكتب اوراقه بروية وحكمة وضع مصلحة العراق والعروبة التي امن بها امامه وانحاز لهما متخليا عن عقد الماضي وهو ما تحتاجه الاحزاب الوطنية والقومية لمراجعة مواقفها ومحاولة تلمس طريق المباديء الصادقة كبديل عن لغة التشفي والثارات , وبغيره تبقى هذه التيارات مبنعثرة ومتشظية وضعيفة ومخيبة لامال جماهيرها .. هذه هو الدرس الذي منحنا اياه الاستاذ معاذ وياليتنا نتعظ ياليت !