مؤولات الناقد ورؤية انطباعية المنهج النقدي
توطئة:
تمهيدا نقول يكمن فعل القراءة النقدية لدى خصيصة مقولات الناقد ضمن دائرة الانطباعية الذاتية والموضوعية في مجال لغة المعاينة المتصلة بين أفق الناقد وموضع النص المدروس،إذ تبقى أمام هذه النوعية القرائية من المقاربة النقدية،تشكيلة خاصة من خصائص معيارية توظيفية مائزة مبعثها جزالة التأني في إصدار وتقويم الممارسة النقدية في حدود استجابة موضوعية حاذقة من المعاينة،وتصاحب هذه القراءة من النقد عادة،ثمة وسائل مستحدثة من طرف المؤول وجهة التأويل المبطن في مقولة وعلاقة القراءة لذلك النص الأدبي.بدءا أقول كنت مشدودا في قراءتي لمقالات كتاب الدكتور الناقد السعودي سعد البازعي،ولدرجة أني كنت ميالا إلى كتابة هذه الوقفة أو الورقة بعد أفراغي من قراءة كتاب (مشاغل النص واشتغال القراءة) والأمر الأكيد في الموضوع هو أن صورة المقاربة لدى الناقد البازعي عبر حيز تمفصلات قراءاته للشعر و الرواية و المشهد المعرفي في هوية الحادثة النصية ، هي ما كان يؤسس المجال المقارباتي في كتاب البازعي . فبدءا بعتبة الاستهلال ثم دخولا بقراءات فصل (أولا:في السرد) نطالع الصورة الكيفية التي اتبعها البازعي في قراءة النصوص الروائية الغربية ، كحال رواية (موت مع أوقات مستقطعة) للبرتغالي ساراماغو ، وعند التدقيق في أدوات قراءة هذا النص ، نعاين حدود ذلك المتخيل النقدي في الإحاطة بمكونات الحكاية الروائية أولا ثم الولوج إلى تفصيل و تأويل الأبعاد الدلالية من موضوعة الرواية : ( تقدم الرواية وضعا غرائبيا لم يحدد مكانها حين استيقظ الناس فيها ..بداية أحد الأعوام على ظاهرة شديدة الغرابة : لم يمت أحد ..والدة رئيس الجمهورية التي بلغ بها الكبر والمرض حد النهاية كانت أبرز المتخلفين عن الرحيل . / ص13 : أنظر مقال ـ سارا ماغوا والموت الذي أختفى )وقد ألتزمت حدود القراءة في هذا المقال ، جملة المنهجية التحليلية الواقعة ما بين الأفعال الروائية و وظيفة العلاقة المؤولة من جهة أفق المقاربة النقدية . وهذا المعنى مصاحب في وصولات العملية النقدية ، هي ما جعلتنا أكثر أمعانا في مبئرات حكاية أفعال و صفات النص الروائي ، وصولا منه إلى النتيجة الاستقرائية في المقاربة ذاتها : ( المفارقة المرة هنا هي أن ما كان حلما عظيما في المخيلة البشرية أسفر عن كابوس عظيم .. فغياب الموت مرة أخرى لم يعد كما بدا لأول وهلة .. لقد استطاعت الرواية أن تبين لنا أن حلم الخلود ليس سوى كابوس .. فغياب الموت الذي بدا مدهشا وجميلا في بداية الرواية أسفر الآن عن كارثة .. فكأن غياب الموت هو الموت الحقيقي . / ص17 : أنظر مقال ، ساراماغو والموت الذي اختفى) أن آلية المتخيل في رواية ساراماغو تؤكد على ثقافة الأغترابي و العجائبي واللامعقول في صيغة المتخيل الروائي ، ذلك ما جعل البازعي يستند على خلفية فهم المغاير ، مقدما هذه الجملة من المؤولات المرجعية والعلامات الاستدلالية من فحوى ورقة النص : (والحق أن ما أن ما يشير إليه الكاتب البرتغالي هو ما أشارت إليه أساطير مختلفة منها الأسطورة اليونانية حول قديسة معبد التي منحتها الآلهة ما تتمناه فكان أن تمنت الخلود .. فمنحت الخلود لتكتشف أنها نسيت أن تطلب الشباب الدائم .. فكانت النتيجة هي هرم متواصل بلغ بها حد أن أصبحت من الصغر أن أمكن وضعها في زجاجة / ولعل تلك الأسطورة كانت في ذهن الكاتب البرتغالي حين فكر في الرواية . / ص18) هذه الدراسة من القراءة ، بدأت متأثرة في الربط ما بين الصلة العلائقية الواقعة ما بين حدود رؤية الناقد وخلاصات المتخيل في خصوصية موضوعة النص ، مما جعل من موجهات المقاربة ، تبدو وكأنها أداة انطباعية في حال و مقرر منهج التحليل . الأمر ذاته في قراءة مقال (الكتابة عبر الأماكن واللغات ) حيث تقدم لنا أواصر استهلالية المقال في موضوعة صدور كتاب خالد للكاتب اللبناني أمين الريحاني : (وفي الرواية أن خالد يعود أدراجه إلى العالم العربي بعد أن فقد الأمل في تحقيق حلمه في أمريكا بتحقيق العالم المثالي الذي يجمع مختلف الثقافات / يعود خالد الذي نرى فيه صورة للريحاني نفسه الذي عاد كما عاد خالد ليبدء مشروعا اصلاحيا في وطنه العربي لعل ذلك يكون الخطوة العملية الأولى لتحقيق الحلم البعيد . / ص20 : أنظر مقال ، الكتابة عبر الأماكن واللغات) في الحقيقة أن القارىء لهذا المقال ، لعله يتنبه إلى مساحة مثاقفة الناقد إزاء نصه المدروس . فالناقد يوطن من جهة ما أدوات مبحثه النقدي ، ضمن مجملات علائقية متعددة من ملامح الإجرائية الثقافية والمعرفية المتصلة و أفق مفاهيم ( الفضاء / اللغة / الثقافة الغربية / ذاكرة الثقافة ) وصولا إلى نسق من شواهد العلائق الذهنية المتوحدة في واقع وسياق عضوية القراءة النقدية في جل مداخلاتها و محامل مؤولاتها النقدية المتشعبة . وهذا ما وجدناه اقترانا في مجمل قراءات الكتاب ، كفصول الكتاب الممتدة من فصل ( في السرد : روايات عبر الأماكن ) وفصل (السرد تحت مظلة الرقيب ) و (روايات نقدية ) وفي القسم الثاني من الكتاب تواجهنا قراءات نقية للشعر ، كحال قراءة مقالات هذه الفصول كـ (التنوير ـ الآخر ـ الحداثة ) و مقال ( خطاب التنوير الشعري ) و (الآخر في الشعر السعودي : التفاعل و التمثيل ) ودراسة مقال ( حداثة الصحراء : أساطير و مفارقات ) فيما تواجهنا في قراءات أخرى أكثر ثقافية ومعرفية ، حيث نتعرف فيها على أحوال موضوعية شائكة وشاقة من النقطة الجوهرية الكامنة في إشكالية ترجمة النص الشعري .
ـ تعليق القراءة
في الحقيقة أود القول ختاما إن قراءات كتاب الدكتور سعد البازعي (مشاغل النص و اشتغال القراءة ) ما هي إلا أدوات قرائية حادة في حدوثات الكشف النقدي الأمين ، كما ويجب على قارىء هذا الكتاب فهم حقيقة التداولية الوظيفية المتفردة في مهمة المقاربة النقدية المتفردة للناقد ، على أنها إجمالا ذلك المستوى المكين من ( مؤولات الناقد ) و رؤية انطباع المنهج النقدي ، حتى نتبين من خلالها حجم الدقة والموضوعية من وراء مقاربة تلك النصوص الابداعية من قبل رؤية الناقد نفسه ، التي راحت تتوسط في جملاتها و متوالياتها ، صيغة الربط ما بين ثنائية الاختلاف ( المنهج = الانطباع ) في مقابل ثنائية الاساس الأولي من مركب الذات ـ الموضوع ، وعلى هذا الأمر قرأنا مقالات البازعي ، كصياغات مستمكنة من شفافية الاتفاق مع الطرح النصي والاختلاف مع النص في جوانب منه ، فيما راحت مقاربات البازعي في بعض مقالات الكتاب ، تتعامل مع الظواهر والمواقف النخبوية في الأوساط الثقافية العربية والسعودية تحديدا ، بواصلة الرقيب والفاحص بخصوصية العوالم الممكنة من أمكانية مؤولات الناقد التحليلية المستبطنة لأغوار وحالات الطبيعة النصية الأدبية و ظواهرها النخبوية عبر لغة الأجيال و النصوص المنجزة في سيرورة نقود استقصاء المعنى والبحث عن المعنى في اشتغال القراءة والتمحيص النقدي .