في ذكرى ولادته المباركة..

يقف القلم عاجزا خجلا في حضرتك سيدي وكيف له ان يكتب بحق ظاهرة انسانية عجر الناس عن ادراكها او معرفة اسرارها حتى قال فيك اخيك نبي الرحمة محمد(ص) في الحديث الذي رواه الحسن بن سليمان في كتابه (البصائر) عن ابي ذر الغفاري ..(ياعلي لا يعرف الله الا انا وانت ولايعرفني الا الله وانت والا يعرفك الا الله وانا ) ..هذا الرابط المقدس الموصول بين السماء والارض وبين الله والنبوة والذي انت حجر الزاوية فيه هو سر من اسرار هذا الكون ومنزلة لم تعرف الامة قدرها ولم تعطها حقها الذي تستحق .. نشأت في احضان الوحي والرسالة ونهلت من مصدرها الثر وورثت علم وزهد الانبياء  وشجاعة قلوبهم وجرئتها في الحق فعجز اعدائك ان يجدوا مثلبة عليك او  يلتمسوا عذرا لبغضهم لك فعمدوا على اخفاء وطمس هذه السيرة العطرة وهذا السفر الانساني العظيم لكن رغم ذلك بقيت القا مابقي الدهر ورمزا يقف العظماء في حضرته صاغرين منحنين لجلال شانه كما قال الامام الشافعي حين سؤل عنك سيدي علي  ..(ماذا اقول في رجل اخفى اوليائه فضائله خوفا واخفى اعدائه فضائله حسدا وشاع له بين ذين مايملأ الخافقين  )..فعذرا ابا الحسن ان تجرأت بجهلي وأنخت رحال ركبي عند بابك التي لم يذكر التاريخ انها ردت سائلا او ملهوف ..لكنها الذكرى التي قادتني لاغترف غرفة من نهر عطائكم تكون لي حصنا وحرزا امنا اعدو به على الصراط المستقيم يوم تقف هناك وبيدك لواء الحمد وقد اذن لك الله ورسوله بان تكون قسيم الجنة والنار ..

ولد الامام علي في السنه العاشرة قبل البعثة النبوية الشريفة في مكة المكرمة وفي جوف الكعبة كما يذكر الحاكم في مستدرك الصحيحين ..(قد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت اسد ولدت امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة )..وكذلك قال العلامة الكنجي الشافعي كتابه (كفاية الطالب).. ولد امير المؤمنين علي في بيت الله الحرام ..وقد اقرها العقاد في كتابه عبقرية الامام علي (ع) بقوله ..(ولد علي في داخل الكعبة وكرم الله وجهه للسجود لاصنامها )..فما اعظمه من وسام واجلها من صيرورة مباركة اراد لها الله ان تكون محطة يقف عندها الناس لمعرفة قيمة هذا المولود وعظمته ومنزلته عند السماء ..تولى تربيته النبي محمد قبل البعثة كون ابيه سيد البطحاء ابو طالب كان كثير العيال فختاره النبي (ص) لنفسه ..ولما بعث النبي بالرسالة اّمن به قبل تؤمن الناس وصدقه حين كذبه الناس وصلى معه قبل يعرف الاخرون معنى الصلاة ..كما في حادثة (وانذر عشيرتك الاقربين)..حيث روى الامام احمد في مسنده عن عباد بن عبد الله عن علي بن ابي طالب (ع) ..(لما نزلت اية ..وانذر عشيرتك الاقربين ..جمع النبي (ص) من اهل بيته فجتمع ثلاثون فاكلوا وشربواوقال لهم ..من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي فقال علي انا )..وكان معه في كل مشاهده حتى قال هو في صحبته للنبي (ص)…(كنت اتبعه اثر الفصيل لامه) ..فنهل علم وسمو النبوة وارتشف من رحيق الوحي ولامس جسده الطاهر زغب جناحي جبريل (ع)..بات في فراشه ليلة الهجرة وشارك معه في جميع غزواته ..حتى نادى جبرائيل في السماء يوم خيبر كما يروي الامام احمد في الفضائل ان الناس سمعوا صوتا من السماء يقول .. (لاسيف الا ذو الفقار لا فتى الا علي ) ..ولم يتخلف عن النبي (ص) الا في  غزوة تبوك حين استخلفه على المدينة المنورة وقال فيه حديث المنزلة كما روى البخاري في صحيحه (كتاب فضائل الصحابة) رقم الحديث 3503 ..(قال النبي (ص) لعلي اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى )..وفي رواية مسلم في صحيحة عن سعد بن ابي وقاص رقم الحديث 2404 (اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا ان لانبي بعدي )..زوجه ابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين في السنه الثانية للهجرة ويروي القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة )..عن ابي ايوب الانصاري ..(اتت فاطمة الزهراء في مرض ابيها وبكت فقال النبي (ص) ..يافاطمة ان لكرامة الله اياك زوجك من هو اقدمهم اسلاما وكثرهم علما واعظمهم حلما ان الله عز وجل اطلع على اهل الارض اطلاعة فاختارني منهم نبيا ثم اطلع اطلاعة فختار منهم بعلك فاوحى الي ان ازوجه اياك واتخذه وصيا )..هاهي ارادة ومشيئة ورعاية السماء تحل في كل تفاصيل حياة علي بن ابي طالب (ع)..وتكون حاضرة معه في كل حركاته وسكناته حتى قال عن نفسه في معركة صفين يوم حكم المسلمون القران بينهم محتجا عليهم بقوله (انا القران الناطق )..

تولى الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان سنة 35 هجرية ونقل مقر الخلافة الى الكوفة ومنها بدأت سلسلة حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين ورغم ما شاب فترة حكمه عليه السلام من حروب ومشاكل اثارها عليه اعدائه خوفا من عدالته وبغضا باهل بيت النبوة الا انها شكلت علامة فارقة في جبين الامة لما سادها من عدل وزهد ومساوات بين الرعية ومثل علي (ع) القدوة الحسنة والمثل الاعلى للامة في التقوى والزهد والكرم والرافة بعباد الله وخلقه..فهو قسيم الجنة والنار في الحديث الذي اورده الحاكم النيسبوري في مستدركه على الصحيحين والمتقي الهندي في كتابه (كنز العمال ) والسيوطي في( الجامع ) وابن عبد البر في كتابة ( الاستيعاب في معرفة الاصحاب ) بان النبي (ص) ..قال ..(علي قسيم الجنة والنار) فهو المعيار والميزان الذي تقاس عليه اعمال الخلائق يوم القيامة وبه يعرف المؤمنون والمنافقون ..استشهد في مسجد الكوفة وهو يصلي الفجر سنة 40 للهجرة على يد اشقى الاشقياء الخارجي عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ..وبهذه الخاتمة العظيمة  اكمل حلقة الوصل التي ربطت مولده الذي هو في بيت الله وحياته التي افناها في سبيل الله وموته وشهادته في بيت من بيوت الله ..فسلام عليك سيدي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .