العراق يعيش في حالة فساد وتفسخ وانهيار لم يشهد لها مثيلا في تاريخه القديم والحديث ، تكالبت عليه الامم كما تتكالب الاكلة على قصعتها !! التقت فيه مصالح الدول الكبرى والصغرى ، فتسارعت كل دولة الى اخذ حصتها من النهيبة ، ودخلت بذرائع مختلفة ، منها من دخلت بحجة المحافظة على تجربته الديمقراطية الوليدة من الاخطار الخارجية والداخلية ومنها من رسخت اقدامها فيه بحجة الدفاع عن المذهب والطائفة والاماكن المقدسة من هجمات الارهاب والارهابيين ومنها من دخلت تحت عباءة”التحالف الدولي”لطرد ودحر تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”الارهابي وشن حرب استنزافية عليه ، وقد تستغرق وقتا طويلا بحسب وزير الدفاع الامريكي ، وذلك لكي يبقى العراق في دوامة من القلق واللااستقرار وبحاجة دائمة الى مساعدات التحالف الذي تقوده امريكا .. ومنها من دخلت عن طريق الاستثمارت والعلاقات التجارية و الشركات النفطية والمؤسسات الوهمية ، بتغطية ودعم مباشرين من شلة المافيا الوافدة من الخارج التي حكمت البلاد بعد سقوط النظام البائد عام 2003 ، لنهب وسلب ثروات العراق وميزانيته الضخمة التي تعدت 174 مليار دولار في بعض الاوقات ! ، وبلغ الفساد اوجه عندما كشف رئيس الوزراء الحالي”حيدرالعبادي”عن السرقة الكبرى التي جرت في وزارتي”الداخلية والدفاع” تقدر قيمتها بمئة مليار دولار ! قام بها رئيس الوزراء السابق”نوري المالكي”وجماعته ، بشكل منظم وعلى مدى سنواته الثمان من حكمه العجاف !..وقد قال”العبادي”في هذه الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء التي ترأسها أنّ “عمليّة إبرام العقود والمناقصات مع الشركات المجهّزة للوزارات الأمنية وجهازي الأمن الوطني والمخابرات، لم تخضع لضوابط قانونية واضحة، ورافقت غالبيتها شبهات فساد واضحة”.. وعندما اراد الرجل اي العبادي ان يضبط الامور المنفلتة عن عقالها قليلا ويجري التحقيق مع بعض المتورطين بقضية كشف المتفجرات الفاشلة التي صرفت عليها الدولة ملايين الدولارات في وزارة الداخلية وعلى رأسهم الوكيل الاقدم”عدنان الاسدي”المقرب من المالكي ، جاءه الرد سريعا من قبل المالكي بعدم المساس به بحجة وجود اتفاق مسبق بينه وبين العبادي عند تشكيل وزارته يقضي بعدم ملاحقة 25 شخصية مقربة منه قضائيا وعدم توجيه اي تهمة لهم ــ مهما كانت ــ مقابل انسحابه من رئاسة الوزراء !! .. والعجيب ان”العبادي”رضخ لتهديد”المالكي”وطوى القضية وكأن شيئا لم يكن !
واللصوص مازالوا يسرحون ويمرحون ويتنعمون بالاموال التي سرقوها ..فاذا كان هذا المبلغ الخرافي قد تم سرقته من وزارتين فقط فما بالك بالوزارات والمؤسسات الاخرى ؟! ففي تصريحات ادلى بها القادة الجدد انفسهم ، ان 800 مليار دولار دخلت خزينة الدولة منذ عام 2004 ولغاية عام 2013 ! ولم يصرف منها الا اقل من ربع المبلغ على المشاريع الاستثمارية والخدمية ، فاين ذهبت باقي الاموال ؟! طبعا في جيوب اللصوص والفاسدين ، وعلى رأسهم المالكي الذي قام قبل رحيله عن الحكم باشهر بسحب اموال طائلة من البنك المركزي بدون علم البرلمان والحكومة !
وربما يكون قد سحبها لمساعدة نظام بشار الاسد الطائفي في حربه ضد شعبه كما اعتاد على ذلك منذ اندلاع الثورة الشعبية عام 2011 ..
واذا كان”حيدر العبادي”يعد اليوم باصلاح الاوضاع والقضاء على الفساد والمفسدين ، فانه لم يتقدم بخطوة تذكر منذ توليه الحكم في هذا المجال ، مجرد كلام لم يدخل في حيز التنفيذ ، وفي عهده صرف اكثر من مليار دولار من خزينة الدولة الخاوية على عروشها اصلا على المليونين و500 الف متطوع من”الحشد الشعبي”او الميليشيات الشيعية التي تحارب تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”للدفاع عن الحكم الشيعي في البلاد ، ولم يكد وزير المالية”هوشيارزيباري”يصرح بهذه الحقيقة لوسائل الاعلام ، حتى وقف الشيعة بكل شرائحهم الشعبية والسياسية والدينية وقنواتهم الاعلامية ضده واقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها ، ونعتوه بشتى الاوصاف البذيئة ، على الرغم من ان الوزير لم يخطيء ولم يفتر عليهم ، بل اظهر الحقيقة للحكومة وللرأي العام لاتخاذ التدابير اللازمة ، وهو من صميم عمله كوزير للمالية..
كلمة اخيرة
كما نختلف نحن العراقيين عن باقي شعوب العالم من حيث تكويناتنا الثقافية والنفسية والسياسية ولا نشبه احدا من العالمين ، لصوصنا ايضا يختلفون عنهم ، فكمية الوقاحة التي لديهم تفوق كل الكميات التي لدى الاخرين ، فقد اعترف احد لصوصنا الكبار لاحدى وسائل الاعلام بكل فخر انه فعلا لص بعد ان اتهمته بسرقة اموال الشعب وقال “نعم ..نصف ثروتي واموالي من السرقة مثل كل السياسيين العراقيين ، لكن انا لم اقتل نفسا حرم الله قتلها في العراق !” الم اقل وقاحتنا تختلف عن وقاحة الاخرين؟!!