23 ديسمبر، 2024 6:05 ص

وفيق السامرائي.. قراءة في سجل حافل بالتناقضات/2-2

وفيق السامرائي.. قراءة في سجل حافل بالتناقضات/2-2

كان سقوط الموصل في حزيران العام الماضي بيد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فصلا جديدا في المؤامرة التي تستهدف سنة العراق وتدمير مدنهم ومحافظاتهم، وقد أسفرت هذه المحنة عن سقوط أقنعة جديدة عن الكثيرين ممن كانوا يروجون لأنفسهم كمعادين للمشروع الطائفي أو المطالبين بإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها .

 
كان من بين هؤلاء وفيق السامرائي الذي فضّل كالعادة الارتماء في حضن من يدفعون له أكثر وإن كانوا لا يكنون له أي تقدير واحترام، فأصبح منذ اليوم الأول لسقوط الموصل ضيفا على الفضائيات العربية محاولا بكل ما أوتي من قوة تبرأة نوري المالكي وقياداته العسكرية من تورطهم في تسليم الموصل للمسلحين، وملقيا باللائمة على قيادات الحراك السني متهما إياهم بتسهيل مهمة (داعش)، ومشيرا بأصابع الإتهام ضمنا إلى سكان المدن التي سقطت بيد التنظيم تماهيا مع الإعلام الطائفي الأصفر، فعل ذلك وهو يعلم علم اليقين أن حكومة المالكي قد أفرغت المدن السنية من السلاح تماما باستثناء ما كان بيد الجيش والشرطة الإتحادية، فماذا يتوقع منهم أن يفعلون، هل يقاتلون (داعش) بالسلاح الابيض مثلا؟! هذا بالإضافة إلى أنه استغل الحدث ليصب جام غضبه كالعادة على السياسيين السنة الذين جردهم المالكي من كل نفوذ أو تأثير.

 

وعندما تشكلت مليشيات الحشد الشعبي أصبح وفيق السامرائي الناطق شبه الرسمي باسمها، متزلفا لدى هادي العامري وقيس الخزعلي وغيرهما، مبرءا ساحتهم من كل ما ارتكبوه ويرتكبونه يوميا في المناطق السنية، رغم كل الإدانات الدولية لانتهاكاتهم، ومئات مقاطع الفيديو التي توثق الجرائم التي قام بها هؤلاء البرابرة في بغداد وحزامها وجرف الصخر وديالى ويثرب والإسحاقي وسليمان بيك والعظيم وجلولاء والسعدية وسواها، متغاضيا عن أموال السحت الحرام التي سرقوها من بيوت أهل السنة ومزارعهم، لم ينبس وفيق ببنت شفة ولو عرضا عن هدم وحرق عشرات المساجد السنية في ديالى وشمال بابل، ولم تأخذه حميته العسكرية أو العشائرية حتى على مئات الشباب الابرياء الذين اختطفوا وقتلوا ورميت جثثهم بالشوارع بعد استلام فدى مالية كبيرة من أهاليهم؛ لمجرد أنهم (نواصب) في نظر المليشيات الشيعية، ولم يتحدث عما بات يعرف بـ(سوق داعش) في منطقة النهضة وسط بغداد والعديد من المدن الشيعية والذي تباع فيه ممتلكات النازحين ومواشيهم، ولم يدن ولو بصوت خافت مقتل شيوخ عشائر وضباط سابقين ومدنيين سنة كل يوم، كل ما يهمه هو جرائم (داعش) وإرهابها، وهو مدان بلا شك محليا ودوليا، ولكن من يدين إرهاب الدولة الذي يمارس اليوم تحت غطاء القانون المحلي والتحالف الدولي؟!

 

وفيق السامرائي لم ينس بالتأكيد أن يركب موجة ضحايا (سبايكر) -كرفيق دربه المتقلب المتلون مشعان الجبوري- ويطالب بالثأر ممن قتلهم، وهو مطلب مشروع بالتأكيد لكنه كلمة حق يراد بها باطل، فتهديدات العامري وشلته المليشياوية لعشائر البو عجيل والبو ناصر لم تثر لدى الرجل أدنى استنكار، بل على العكس من ذلك، فإن وفيق لا يترك مناسبة إلا ويستغلها في مدح العامري والثناء عليه، لكنه لا يرى في الآلاف الذي قتلوا من أهل السنة في مجازر أصبحت أكثر من أن تعد أو تحصى ضحايا تستحق الرثاء أو حتى الإشارة إليهم، وكأن دماءهم ماءا أو ليست ذات قيمة إنسانية.

 

أما آخر تقليعات السامرائي فكانت تحذيره للحكومات العربية والمجتمع الدولي من (خطر) الإخوان المسلمين، ووصفهم بمحاضن للإرهاب والتطرف، وهو يعلم أن أعتى أعداء الإخوان كالسيسي وغيره لم يتهموا الإخوان بعشر مشعار الجرائم التي يرتكبها أحباب وفيق السامرائي من المليشيات، والموضوع كما يبدو ليس أكثر من محاولة جديدة لتسويق نفسه لدى الأنظمة العربية، بعدما كان في بدايات الربيع العربي يشن حملات عنيفة من على شاشات الفضائيات على حكام هذه الدول الدكتاتوريين، لكن الريح مالت مرة أخرى وأصبح لزاما عليه أن يميل معها!!.

 

إن على وفيق السامرائي أن يدرك تماما أنه ورقة محترقة وخيار بائس تماما لدى الأحزاب الشيعية والحكومات العربية على حد سواء، فلا أحزاب التشيع السياسي قادرة على نسيان وتجاوز ماضيه الحزبي والعسكري كضابط سني سامرائي شارك في الحرب ضد إيران، وهو في نظرهم مشروع إنقلاب عسكري مهما حاول أن يتذلل لهم أو يناصرهم إعلاميا، أما الحكومات العربية فتتعامل مع على أنه جنرال خرف مستعد لتبديل مواقفه بين عشية وضحاياها، إنتقل من محارب لإيران إلى بوق يمتدح (حكمة) قادتها وسياساتهم جهارا نهارا.

 

لن ينال وفيق السامرائي وزارة الدفاع التي يحلم بها، ولن يتم تعيينه في منصب ذي شأن كما يتمنى، ولربما إن استمر في مواقفه هذه فقد ينال وظيفة هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، لكنه بالمقابل دخل التاريخ العراقي الحديث من أسوأ أبوابه هو والكثيرين ممن باعوا أهلهم وبدلوا جلودهم من أجل عرض من الدنيا زائل، وأصبح منبوذا حتى من أهله وأقاربه وأبناء مدينته التي يعمل الإيرانيون ليل نهار على تشييعها ومسخ هويتها العربية السنية، وصدق من قال: (مصارع الرجال تحت بروق الطمع).