هناك مثل عربي يقول ( ايش اللي لم الشامي على المغربي) .. هذا المثل ينطبق تماما على الزيارة التي قام بها وفد من الاحزاب الكوردية الى بغداد في الاونة الاخيرة , والتي تصف نفسها بانها احزاب معارضة في كوردستان .
بشكل عام فان احزاب المعارضة ليس من شانها ولا من مهامها الدخول في مفاوضات لحل مشاكل سياسية بين حكومتها وحكومات اخرى , بل يقتصر دورها على التباحث مع الحكومات التي تعارضها وابداء رايها في خيارات الحلول مع الجهة الخارجية واعطاء حكومتها دعما في التفاوض مع الجهة الخارجية تلك . ان هذه الاحزاب التي زارت بغداد ليست فقط لا تمثل حكومة اقليم كوردستان وانما حتى لا تمثل معارضة , فمثلا السيد برهم صالح لم يعد يمثل الاتحاد الوطني الكوردستاني بعد ان انشق عنه , و ليس لدى قائمتة مقعدا واحدا في برلمان كوردستان , ولا تمتلك منصبا حتى في الحكومة المحلية في السليمانية , اضافة الى اننا لغاية اليوم لا نعرف ثقل قائمته لدى الشارع الكوردستاني لانها لم تدخل اختبار الانتخابات لغاية الان , فباي صفة استقبلت بغداد برهم صالح وعلى اي اساس تباحثت معه المشاكل بين اربيل وبغداد ؟.. وكذلك لا يمثل السيد بافل طالباني حزبه في هذه الزيارة وكل ما يتمتع به هو انه ابن المرحوم مام جلال طالباني .
هناك نقاط متعددة تضع علامات استفهام كثيرة حول تلك الزيارة ومن بين هذه النقاط : –
– البيان الذي ادلى به الوفد عن الزيارة .
– تشكيلة الوفد المتكون من ( حركة التغيير والجماعة الاسلامية وبرهم صالح) .
– توقيت الزيارة كونها تسبق الانتخابات البرلمانية في العراق وكوردستان بشهور قليلة .
– تزامنها مع توقعات بانفراج الازمة السياسية بين بغداد واربيل .
– وصول بافل طالباني الى بغداد في نفس توقيت وصول الوفد اليها .
ان البيان الذي ادلى به الوفد عن الزيارة لم تتضمن افكارا جديدة يمكن القول بانها كانت وراء زيارتهم , فقد اقتصر البيان على سرد انشائي وتكرار ممل لما هو مطروح في الاعلام منذ اشهر في موضوع المناطق المتنازع عليها , وما يتعلق برواتب موظفي اقليم كوردستان , مما يجعل الشكوك تحوم حول الابعاد الحقيقية لهذه الزيارة . فبعد ان ضغط المجتمع الدولي والغرب على بغداد واربيل للبدء بحوار جاد بهدف حلحلة الاوضاع , وبعد ان اقترب الطرفان من بدء الحوار , تقفز هذه الاحزاب الكوردية المحلية لتركب الموجة وتوهم الشارع الكوردي بدورهم في هذا التقارب , بينما الحقيقة ان دورهم لا يتعدى دور لاعب كرة القدم الذي تمس رجله كرة متوجهة هي بالاساس الى الهدف دون ان يكون له دور في اي شيء سوى ان رجله قد مسها . لذلك فلا علاقة للزيارة بالمصالح القومية للكورد , ولا تعدو كونها تندرج ضمن المزايدات الانتخابية من قبل هؤلاء .
عموما.. ان كان الهدف من الزيارة يصب في خانة المزايدات الانتخابية , فمع انه امر مخجل الا انها امور تحدث قبيل الانتخابات بين الاحزاب المتنافسة في اي مكان…. الا ان ما يخشى منه ان تكون خلف الزيارة اجندات اخرى تخدم اطرافا اخرى خارجية , خاصة ان وجود بافل طالباني يعطيها ابعادا اخرى , فبافل طالباني يمثل الخط المنبطح تماما لايران داخل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني , ووجوده في بغداد بالتزامن مع وجود الوفد (دون اي عضو اخر من الاتحاد) يعطي انطباعات اخرى عن الزيارة ويثير حولها شكوكا اكثر , ناهيك عن ان احزاب الوفد الزائر في الاساس يمثلون الطرف الخاضع لايران والحريص على مصالحها في كوردستان , وهو ما يشير الى وجود محاولات ايرانية لنسف التقارب الحاصل بين حكومة اربيل والعبادي , وادخال التاثير الايراني على مجرياتها لخلط الاوراق فيها , وترسيخ الانقسام الكوردي بخلق خط جديد للتفاوض مع بغداد موازي لخط حكومة اقليم كوردستان بغية اضعاف موقفها التفاوضي امام بغداد مما يمثل هدية مجانية يقدمها هؤلاء الى بغداد في هذه الفترة الحساسة .
اضافة الى خضوعهم للاجندات الايرانية فان مايجمع حركة مثل التغيير مع قائمة برهم صالح والجماعة الاسلامية وجناح بافل طالباني هي مبالغتهم في الفكر المناطقي وتقوقعهم في المحلية التي يعمدون الى اثارتها كل مرة لحشد الشرائح البسيطة وراءهم , والفوضوية التي يعانون منها في مسيرتهم السياسية , تلك الفوضوية التي تسببت في وجودهم انفسهم من خلال انشقاقات حصلت داخل احزاب كانوا ينتمون اليها سابقا . فحركة التغيير انشطرت من الاتحاد الوطني الكوردستاني بسبب عدم التجانس بين اجنحته , وتسببت الفوضوية التي عانى منها الاتحاد لان ينشق عنها بعد ذلك برهم صالح , وهي ذات الفوضية التي حولت الاتحاد حاليا الى اجنحة واطراف لها تحالفات مختلفة داخل الحزب الواحد, يمثل بافل طالباني احدى نتائج تلك الفوضوية … اما علي بابير زعيم الجماعة الاسلامية فيعتبر من انشطارات الحركة الاسلامية انشق عنها وشكل له جماعة جهادية مسلحة سماها بالجماعة الاسلامية , ثم نزع سلاحه ليتحول الى الجهاد السياسي وانخرط في العملية السياسية في كوردستان بعد اعتقاله من قبل القوات الامريكية في كوردستان بعد الالفين وثلاث …. هكذا احزاب ولدت من رحم الفوضوية في احزاب اخرى من الصعب جدا عليها ان تعمل على وحدة الصف الكوردي طالما كان الانقسام هو اساس وجودها ..