23 ديسمبر، 2024 12:09 ص

وفاء أخضر شاعرة أستثنائية الشعر والحب

وفاء أخضر شاعرة أستثنائية الشعر والحب

ظهرت وفاء أخضر كشاعرة متميزة عن شاعرات جيلها في الوقت الذي بدأ ينزوي الشعر ، وتقل ذائقة الناس الادبية ، وتكثر الهفوات والثغرات في الكثير من النصوص الشعرية والادبية ، وتنضوي شاعراتنا العربيات .
وفاء شاعرة واديبه ، تغنت بالحب والشوق الى الحرية والانعتاق ، وكغيرها من شاعرات العرب ، تأثرت وفاء ببيئتها في منطقة أنصار النبطية بلبنان.
وفاء اخضر شاعرة الحب الاستثنائية ، لخصت فلسفتها الشعرية بعبارة واحدة ، انا امراة استثنائية ، لأنني أنا ما انا عليه وأبتسم .
ومما زاد في ألم وفاء ، معاناتها في الكثير من سنين حياتها ، وحرمانها من مشاعر الحب والتحرر التي لطالما حلمت بها ، في ظل ذكريات حزينة ، محفورة في أعماقها
، خصوصا فترة مراهقتها وزواجها المبكر ، لكنها ظلت متماسكة ، تتحدث بأصرار وثقة وجرأة عن شخصيتها الحقيقية ، التي تحلم بها ، وعن الأنثى المتحررة التي بداخلها.
لغة وفاء أخضر الشعرية لغة بسيطة ، شفافة ، رقيقة وقاسية معا ، لغة خاصة بها ، وفاء متمكنة من ادواتها ، حتى وهي تستخدم فساتينها وكتبها ادوات شعرية في قصائدها ، تجذب من يقرأها ، تنتقي عباراتها بدقة ، تراتيلها الدينية تظهر بين كلمات شعرها ، ومفردتها تدور حول الحب والحرية ، الى درجة ان الكرة الارضية بالنسبة اليها لايجب ان تدور حول نفسها ، بل حول الحرية والأنعناق.
مذهلة في التعبير ، تفيض غزارة في الأبداع والتشويق الشعري ، وتكنب بجرأة لامثيل لها في زمن الصمت ،
أجنحتها رقيقه ، لكنها اجنحة قوية وثائرة ، تطير بها الى حيث الفضاءات التي تريد ، الى حيث المرأة التي لطالما حلمت بها ، حيث لاقيود ولا خطوط حمراء ، حيث الأنثى المتحررة المتعلمة المثقفة التي تعشق انوثتها وتبوح بها بكل جرأة.
فهي تبني لنا مملكة مثالية خاصة بها ، مليئة بالمشاهد الملونة ، كلماتها بعيدة عن الواقع لكنها قريبة من القلب مؤثرة ، تنفذ فينا كرصاصة ، وتبرد ماكنة الصراع والبحث عن الذات التي تغلي بداخلنا بأستمرار.
ملقمات الشعر عند وفاء قوية ، ثابتة ، تنتقيها من بيئتها ، من البيت ، من الحارة ، من الطريق الطيني الذي تسير فيه احيانا وهي ترتدي تنورة قصيرة وحذاء بكعب عالي ، عباراتها تشبه قطعة حرير ، ملمسها مخملي ، ناعم رقيق ، لكنها قوية متماسكة ، لاتتمزق بسهولة ، وقاسية عند التجربة ، هي متحررة في البدايات ، ثائرة في الخواتيم ، قديسة في معبد تسميه معبد الحب ، لامحرمات لديها ، الا فيما ينتهك حريتها وخصوصيتها.
كل شيء بالنسبة لوفاء أخضر هو أخضر فعلا ، هو حب وحرية ، والاوكسجين بالنسبة اليها يتكون من ذرتيتن من التحرر زائد واحدة منه.
وفاء كتاباتها غنية ، ثرية ، فيها صور كثيرة ، عجيبة ، غير مألوفة ، مفرداتها ثائرة ، الى الى حد المجون.
نصوصها الشعرية تلامسنا ، نشعر انها قريبة منا ، تلامس وجعنا ، وهمومنا ، تقترب من هموم المجتمع.
لم تنسى وفاء انها ابنة البيئة ، فتشارك الكثير من النساء سفرة في كازينو ، أو ندوات شعرية، او حتى مظاهرات ضد السلطة الحاكمة وضد الظلم وقهر الشعوب واذلالها.
تقول وفاء ، احلم بلبنان بدون لصوص ، وعندما خرجت في مظاهرات مع نساء مثلي ، شعرت بأنني استعدت هويتي ، وشعرت بأنسانيتي وأنوثتي ، اود لو اصرخ بأعلى صوتي بذلك.
نكره مفردتها احيانا ، ولكن عندما نعيد قرائتها مرة اخرى نكتشف حبنا لها ، هذا التنوع والتلون في شعرها ، يعكس ثراء ماتمتلكه من ادوات ، وخيال واسع ، ومقدرة وتمكن في اللغة ، وبساطة وسلاسة في الاسلوب ، تجربتها في الحياة وشخصيتها المتمردة كأنثى ، جعل من أسلوبها الشعري ، كحصان بري جامح ، لكنه حصان اصيل وليس هجين ، هي نقيض جميل ، يشبه فاكهة السندي العراقية ، تشم عطرها عن بعد ، شكلها ولونها شيء ومذاقها وطعمها شيء آخر مختلف تماما، ما أن تقرأ قصيدة لها حتى يتخيل اليك انك تشاهد مئة صورة ، بل مئة لوحه ، كل لوحة رسمت بريشة فنان مختلف عن الآخر ، وفي زمن يختلف عن الاخر ، ثرية الى درجة قدرتها على امتلاك الملايين من هذه الصور.
وفاء كشاعرة لاتشبه بنات جيلها.
فهي لاتشبه الشاعرة اللبنانية فينوس خوري أو الجزائرية اسيا جبار ، بل هي تشبه نفسها وتقول انها استثنائية بما هي عليه ،
وهذا يعطينا تفسيرا ، لماذا يختلف ديوانها الشعري الاول ، لست بخير ابدا ، عن ديوانها الشعري الثاني ، في فمي بريق .
لم تتأثر كثيرا بنشاء جيلها لكنها قد تكون أقتربت كثيرا من الشاعرة غادة السمان ومجموعة وفاء أخضر الشعرية الاولى لست بخير ابدا ، قد تحاكي مجموعة غادة السمان الشعرية الاولى ، عيناك قدري ، التي تقول فيها غادة عبارة تشبه وفاء الى حد كبير ..
أشهدُ اني عكسَ الريح أشهدُ بالمحبة في زمن الكراهية

كما أن اسلوب وفاء يمثل صرخة في وجة الكثير من الأنات والعذابات عند النساء ، والجرأة التي تمتلكها لاتشبه بنات جيلها لكنها قد تكون بشمل او بآخر تأثرت ايضا بالشاعرة الايرانية المتمردة فروغ فرخزادة ، التي جسدت تجربة حياتها في الشعر بطريقتها ، وقالت ، لم أعرف بأن جسدي سينتهك بأسم الدين وانا طفلة ، وتقول ..
كلكم رحلتم وبقيت أنا هنا وحيدة ، تكاد تقتلني الوحدة
وفاء حاكت هذا النوع من الألم في قصائدها.
وفاء لاتشبه ولا تقترب من شاعرات جيلها ، لكنها تحاكي احيانا شاعرات جيل اخر ، فهي تشبه مي زيادة في عبارتها الشهيرة ، حياتي المثالية جعلتني اجهل دسائس البشر .
وفاء لايمكننا ان نختزل تجربتها بمقالة واحدة ، ولكن ان اردنا ان نضع تعبيرا بكلمتين عنها فسيكون .. أنثى متحررة .
شهرة وفاء كشاعرة واضحة بيّنه ، لكنها لاتتناسب ابدا مع غزارتها الشعرية ، وقامتها الادبية ، وقد تظهر لنا وفاء في السنوات القادمة بوجه آخر، وجه كاتبة واديبة جديدة ، روائية تبهرنا في كتابة الروايه ، كما ابهرتنا في الشعر ، والمؤكد بأن قصائد وفاء قد لاتمتد الى الخمس سنوات القادمه ، بل يمكن أن تمتد الى أجيال جديده قادمة ستردد اسمها كثيرا.
باسم الخزرجي / بغداد / 2020