كل شعوب الأرض من حقها أن تفخر بتاريخها وتمجد أبطالها وتخليد ذكراهم بطرق كثيرة من خلال إقامة النُصب التذكارية والأمسيات الشعرية والأدبية بحقهم أو إطلاق أسمائهم على شوارع مدنهم ومكتباتها ودور اعلم والمدارس والثقافة وتعليم مبادئهم لأجيالهم الواعدة وأطفالهم بأسلوب حضاري مستلهمين منهم العبر الأخلاقية والتضحية ونكران الذات.
نحن أيضاً لنا عظمائنا وقادتنا في التاريخ العربي والإسلامي من حقنا نفخر بهم ونجلهم ونمجدهم و نعتز بهم وثورة الحسين خير فخر ومنار لكل الثائرين والسائرين على نهجه وتضحيته ونكرانه لذاته في سبيل الإنسان والمجتمع .
بعد أيام تحل علينا ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، ولسوف نرى مدى التأهب الأمني والاستعدادات الأمنية المشددة لحماية الزوار و (المشايه) الذين يسيرون الى كربلاء مشياً على الأقدام وتلك المبالغ الضخمة التي تصرف على الطعام والشراب والمبيت على طول الطرق المؤدية الى كربلاء وما يرافق ذلك من جهد مادي كبير .
أرقام خيالية بمئات الملايين والمليارات تبذل من قبل التجار والمستفيدين من المتاجرة باسم الحسين على حساب واقعنا المتردي بخدماته وبُناه التحتية ، فلو صُرف جزء من هذه الأموال لتبليط الشوارع او لبناء مساكن مقبولة للفقراء او لتوفير العلاج الباهظ الثمن لمرضى القلب والضغط والسكري أو لبناء روضة للأطفال او متنزه أو مدرسة بدل هذا الزخم الهائل من الطلاب على المدارس الحكومية فوالله في صف واحد بمدارس الحكومة الابتدائية على سبيل المثال يتواجد أكثر من 60 تلميذ في المناطق الشعبية ذات الانفجار السكاني.. كان أفضل بكثير من هدرها على المأكل والمشرب والتبذير بها بطرق رخيصة ومترفة ، ناهيك عن الرايات والإعلام ومظاهر الأحتفال الأخرى بهذه المناسبة إضافة الى تعطيل اغلب دوائر الدولة ومؤسساتها مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين الذين يراجعون تلك الدوائر والمؤسسات أما آن لنا أن نستوعب قضايانا وأفكار آل البيت بأسلوب حضاري ينير لأجيالنا دروب المستقبل بدل أن نجلس نولول ونتحول الى مستهلكين مبذرين بثرواتنا دون واعز من ضمير ا�ن نرى بعض من أبناء وطننا يسكنون القبور والمزابل دون توفر أي شرط من شروط السكن الصحي والاهتمام من قبل الدولة وانتشار الأمراض المزمنة والسارية والتي انقرضت اغلبها من شعوب الدول النامية ، نرى أطفال بعمر الزهور يعتاشون على نفايات الآخرين او أولئك الذين يقفون بتقاطعات الطرق يبيعون أشياء بسيطة جدا لسد حاجاتهم هم وأهلهم وبعضنا يقيم المآدب في رمضان والمناسبات الدينية ويسرف لحد الغثيان بالطعام والشراب وأشياء ما أنزلا الله بها من سلطان من اجل ان يظهر بمظهر المتدين والكريم ..!!
بعملية حسابية بسيطة تستطيع أن تقف على حجم تلك المصروفات على مستوى المنطقة التي تعيش بها وخلال العشرة أيام الأولى من شهر محرم الحرام خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وما يرافق عملية تحضيرها من وقود وسرادق ومجالس تعيد نفس الحديث والقصة كل عام بأسلوب بكائي و…و….الخ. أرقام كبيرة جداً من المبالغ والتبرعات التي من الأولى استثمارها في أمور تنفع الوطن والمواطن .
لذالك أدعو كل القائمين على المواكب الحسينية والمتبرعين وتجار السوق والذين يريدون أن يقدموا خدمة لشعبهم الى الإقلال من مصروفات مواكبهم وليس الامتناع عنها والتبرع ببعض تلك المصاريف الى المحتاجين والمرضى وإدخالها بمشاريع تخدم الصالح العام من سكن وتخفيف العدد الهائل من البطالة المستشرية في مجتمعنا ونكون بذلك قد خدمنا مذهب آل البيت وأحيينا أمرهم الذي أكد عليه الإمام الصادق بقوله (رحم الله من أحيا أمرنا) والمقصود بأمرنا هو احترام الإنسان وكرامته وتوفير سبل العيش الكريم له بعد تخلي مؤسسات الدولة عن بناء المجتمع اقتصاديا وصحياً وانشغال الكتل والسياسيين بالصراع على السلطة .والله يصل ثمن بعض أدوية القلب الى 85 دولار للعلبة الواحدة بينما يصل سعر الثور في السوق الى مليون وربع المليون في مثل هذه المناسبات فتأملوا معي كم ثور يذبح في مناسبة كمناسبة عاشوراء…!!
ملاحظة :-
لا يحاول البعض المزايدة على انتمائنا لمذهب آل البيت أو الإخلاص لقضية الحسين من خلال اتهامنا بالعداء للمذهب او الإلحاد والكفر والزندقة وإثارة الفتن فنحن أدرى بمبادئ الحسين وثورة الحسين ونهج الحسين الإنساني … والله من وراء القصد.