23 ديسمبر، 2024 3:47 م

وعي القراءة وفعل التأسيس قراءة في مدونة (حسون 313) للكاتب نعيم ال مسافر

وعي القراءة وفعل التأسيس قراءة في مدونة (حسون 313) للكاتب نعيم ال مسافر

في البدء، قد لا نتفق مع الكاتب بالتجنيس الذي وضعه للكتاب (نصوص أدبية)، لكننا سنحتكم الى بنية اجرائية ترى إن كل كتابة هي نص دون مجارات المتعالية النصية السابقة لاقتراب هذه النصوص الى جنس المقالة.
   إن فعل القراءة هو فعل تأسيس، ليس بمعنى أستلاب النص، وانما اعادة تشكيله، وفعل التأسيس يتم بالنمطية التي يأخذها وعي القراءة في تشكيل علامات واشارات النص، لتفعيل دلالاته، وما زرعه الكاتب في نصه كبذور تحتاج الى نماء، وتحديث لشخصيتها الكتابية بوعي أخر، ربما يكون مغايرا لوعي كاتبها الذي يعكس مجموعة من المرجعيات التي تكون شخصيته الثقافية ككاتب، محكوم بآليات الكتابة والنوع، وذلك لايعني إن القارئ محكوم بتلك الشخصية، وأنما هو حر في تشكيل شخصية أو شخصيات أخرى، تولد وتفعل دلالاته، ولكن هل إن هذا الكلام ينطبق على جميع المدونات النصية، حتى تلك التي لم تتكبد عناء أخفاء تلك المرموزات وتلك الاشارات، وذلك من خلال أحد المتعاليات النصية كالعنوان مثلا، او صفة التجنيس.. أو غيرها.
   فالعنوان كعتبة للنص، سيفترض رؤية تحكم وعي القارئ، ولكنها سرعان ما ستتحرر عندما تشتبك مع النص في جدلية القراءة، ربما ذلك لانها ستعيد تشكيل ذلك الوعي من خلال توليد الدلالات والعلامات، التي يختزنها  النص المكتوب والنص القرائي المحمل بمرجعيات القارئ ومتبنياته الفكرية والثقافية، اي يكون النص محرضا لتلك المتبنيات للظهور من خلال محاكمة النص الكتابي واشاراته واستنطاقه، لذلك فنحن مقيدون بالرؤية التي يطرحها نص/ كتاب (حسون 313)* للكاتب نعيم ال مسافر، إذ تتحدد اجرائية القراءة وتتموضع غالباً في مفتتح النص/ الكتاب، أي عند العنوان الذي هو عتبة تقود الى داخل النص، وهو عنوان مركب ذو محمولات رمزية، يقود الى تناصات متوزعة بين طرفيه (حسون) و(313)، حيث لو طالعنا متون النصوص لرأينا بأن (حسون) وإن كان اسماً علماً مقتصدا في مبناه الاشاري والعلامي، لكن الكاتب قد زجه في منطقة متوترة تعطيه دفقاً لان يطوف في فضاء سيميائي ودلالي، وذلك عندما لون ذلك (الحسون) بطيف الألم العراقي، وهو ما تعززه جمل الاهداء (إلى إكسير العزة الذي يجري في الدماء الحسونية.. الخ)، وجعله أيضا كاداة تنظم فعل القراءة، (ماهو ذنب كل حسون، لتنتهك حرمته هكذا؟)، وتجاري باقي علامات النص/ الكتاب، من خلال التماهي مع افق القراءة المفترض، أما بالنسبة للطرف الاخر من المعادلة وهو (313) فيعتمد على العلاقة القائمة بينه وبين الطرف الاول وفق استراتيجية بنائية اعتمدت على تناصات مبثوثة في طيات خطاب النص/ الكتاب، وقد وقف هذا التناص على قاعدتين، كانت الاولى هي ان (313) رقماً مجرداً وهو ما يتوائم مع تأويلنا السابق لمفردة (حسون) بما يوحيه من تكرار الحسون وتكرار المرارات، أي يعطي هذا الرقم لحسون صفة الاطلاق، اما القاعدة الثانية هي المرجعيات الثقافية لهذا العدد كـ (313 هو رقم لعدد المرسلين 313 هو رقم لعدد الصابرين من جند طالوت في المعركة التي انتصر فيها على جالوت . 313 هو رقم لعدد أصحاب النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بدر . 313 هو رقم لعدد أصحاب الحجة محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) والذي وعد به سيد المرسلين بأنه سيظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا واسمائهم توجد في خطبة البيان للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام). وهو الرقم الذي اعطته المخابرات المصرية لاشهر جاسوس مصري رفعت على سليمان الجمال الذي عرف باسم رأفت الهجان) **
    تنوعت أليات التناص والتضمين التي بني بها النص/ الكتاب وتنوعت داخل النصوص التي فصلت بعناوين فرعية، وابرز تلك التضمينات هو نص (برغماتية عصفور الماء) وفيها تماهى مع قصة النبي ابراهيم (عليه السلام) والنمرود الذي اراد احراقه، وموقف العصفور الذي اراد اطفاء النار بالماء القليل الذي يحمله بمنقاره، وتظهر تلك اللعبة التركيبية من خلال كسر الحدود الفاصلة بين متني النص والحكاية وذلك يظهر من خلال سحب الحكاية الى متن النص واستنفاذ دلالاتها (فلنحاول جميعاً، ولو بمقدار قطرة الماء، التي حملها العصفور بمنقاره، أيقاف نزيف الدم العراقي)، وايضا هناك تضمين اخر تماها النص معه في نص (رسائل من أم حسون) وهو رأي علمي لاحد العلماء اليابانيين (ماساروا إيموتو) ، (خلاصة مؤلفات إيموتو ان الماء له قدرة عجيبة من الذاكرة والوعي والسمع والرؤية والادراك)، وكذلك نص (أسلحة حسون وأسلحتكم) وهي قصة العابد ونص (النواضح)..الى أخره من تضمينات يحفل بها النص/ الكتاب.
    أما سدى التناصات فقد مده العنوان كما اسلفنا، وايضا بعض الحكايات الدينية والترائية، كما في نص (سفسطائية الامير) وايضا التناص من خلال البناء الشكلي مع اسلوب ما يعرف (بالعرضحال) كما في نص( مات حسون وتحقق ما تريدون) وأيضاً نص (بمناسبة عيد الام أم حسون تخاطب العالم)، الى أخره من اساليب حفل بها النص/ الكتاب
    لقد اعطى نعيم ال مسافر لمقالاته هذه صبغة انسانية، ووظف فيها هموم المواطن العراقي، لذلك فقد اخرج (حسون) من قوقعته ككائن كتابي يطوف بين متون المقالات الى ان يصبح رمزا للانسان العراقي وهو يكابد الحيف والظلم، وإن احتاجت بعض المقالات الى بناء اكثر تماسكا، ولكن مع ذلك بقي هذا الحسون يغرد نشيدا انسانيا خالصا، ويعلن بنشيجه المحزن قساوة الانسان وجفاءه.

* حسون 313 – نعيم ال مسافر – نصوص ادبية – دار تموز – دمشق 2012
** نقلا عن وكيبيديا – الموسوعة الحرة