18 ديسمبر، 2024 7:45 م

العلاقات الإنسانية هي جسور التواصل مع الآخرين ، وهي استيطان العواطف والأحاسيس بفعل ماتختزنه من قيم ومبادئ سامية ، وزيارة المريض واجب أنساني بحت وركن من أركان مشاعرنا الآدمية  …
 قبل أيام قمت بزيارة احد الزملاء أثر تعرضه إلى أزمة قلبية نقل على أثرها إلى المستشفى التي لم يمكث فيها إلا يوم واحد وخرج منها مشاف معافى .
قلنا * الحمد لله على سلامتك أزمة وعدت بإذن الله تعالى
قال * حمداً لله على أي حال ، ونحمده على ما لدينا من أطباء أكفاء يخافون الله ويحفظون الأمانة وشرف مهنتهم .
قلنا * وقد علت على وجوهنا حالة من الاستغراب والتعجب ، كيف
قال * بعد يوم شاق ومتعب أحسست بضيق في صدري وانتابتني نوبات الم حادة في الجهة اليسرى فخفت من تعاظم الأزمة حاولت الاتصال بالإسعاف الفوري فلا احد يجيب ( وعلى علمي إن دائرة الإسعاف الفوري كبيرة وتصطف إمامها أكثر من 30 سيارة وهي على استعداد دائم ) فاستعنت بجاري الذي سعى من خلال علاقاته بالاتصال باحد مسؤولي وزارة الصحة ، ولم تمض  إلا دقائق وإذا بسيارة الإسعاف تقف إمام منزلي ، وحسب الأصول ترجل شخص يلبس زى التمريض وقام بمساعدتي وما أن رقدت على السرير المخصص نسيت ألمي وشدني منظر الممرض الذي بادر بعمله فقام بفحص الضغط ثم وضع كمامة الأوكسجين على وجهي لاستنشق هواءّ نقيا ، فانتابني إحساس لذيذ وقلت نحن بخير والعراق بخير مادام هناك مخلصين يؤدون واجبهم بأمانة
* شدنا حديث زميلنا وحسبناه يتخيل او يبالغ في الوصف وتابع  قائلا  .
* عندما وصلنا الى المستشفى كان هناك ممرض ومساعده يقفان بجانب عربة نقل المريض (سديه ) كانا على أهبة الاستعداد ، ولحظات لم أحس بها كيف حملت من سرير الإسعاف الى السدية ، كأنني اطير وعند دفع السدية كانت تسير على ارض معبدة بزبد الحليب وبدأت اتلفت يمينا ويسارا متمتعا بتلك الزهور الملونة التي افترشت مداخل المستشفى ، اوصلوني الى ردهة الطوارئ التي كانت تفوح منها رائحة النظافة والإيمان ، عندها استقبلني شاب وسيم بابتسامة ناعمة ولهفة حنونة انه الطبيب المقيم ، وبلمسات ناعمة وبامانة ودقة شرف المهنة استمر بفحصي .
* لم نعقب وبدأنا نصغي وعلامات التعجب رسمت على وجوهنا .
* احالني طبيب الخفر الى المختبر التحليلي والاشعاعي ، دخلت شعبة التحليل التي كانت مكتظة بكادر طبي مهني دؤوب يعمل بحرص واجريت الفحوصات بالكامل .
 
 * قال أحدنا باستغراب وهل اجريت الفحوصات ، أنا قبل ايام ذهبت الى نفس المستشفى لاجري التحاليل المطلوبة ، فتعذروا وطلبوا إجرائها في المختبرات الاهلية ، لان جهاز فحص امراض الدم ( بيكمان كولتر ) لا يعمل بسبب نفاذ المواد الاولية اللازمة وكذلك حال المستشفيات الاخرى ، ولم نستطع شراء المواد من الاسواق المحلية لعدم وجود الضمان  مما قد يسبب ضررا بحياة المرضى .
* قال ربما ما تقوله صحيح ، ولكنني اتممت الفحوصات ثم ذهبت الى شعبة الاشعة والسونر والايكو والحمد لله كانت النتائج ايجابية .
* رد عليه احدنا … وهل كانت كل الاجهزة تعمل ، فانا تعرضت لنفس الاعراض ورقدت في نفس المستشفى وكانت الاجهزة  مجمدة بسبب جهاز الكومبيوتر الخاص بطباعة التقارير الطبية عاطل وان هناك جهازي مفراس احدهم موجود داخل شعبة تجري عليها اعمال صيانة وترميم والاخر يعمل واعطوني موعدا  مدته شهر بسبب الزخم الشديد من قبل المراجعين ..
وفى احدى الزوايا جذب انتباهي وجود  جهازيين كبيرين للاشعة احدهما   عاطل لعدم توفر بطارية قيمتها 75 الف دينار فقط .  والثاني يعمل بضعف طاقته أي فحص مرضى اكثر من الحد الافتراضي المقرر لكل جهاز وبالتالي وصولها الى التهالك والعطل ،
هنا قاطعه زميلنا قائلا : بعد رحلتي المثمرة رجعت إلى الطبيب الذي كتب لي قائمة طويلة وعريضة من أسماء الأدوية المهمة لصحتي وقد جهزتني الصيدلية بها جميعا.
 فأجابه احدنا كيف ذلك  إن نفس الصيدلية فاجئنني حينها ضمن  وصفة الطبيب  بوجود دواء واحد والبقية اشتريه من خارج المستشفى ، وبشهقة سألت عن السبب ، جاوبني بحرقة … ان اغلب الأدوية انتهت صلاحياتها بسبب الروتين القاتل ولجان المشتريات ، والبعض الأخر لانتعامل بها أو نجلبها حسب الاحتياج خوفا من تسربها من قبل بعض الاطباء والممرضين من ضعاف النفوس إلى العيادات الخاصة ، ناهيك عن تلك الأدوية التي تكون من مناشيء غير رصينة .
لم تكن مشاعر زميلنا هراء ولم يكن استغراب الآخرين تجنباً… فكل منهم قال كلمة حق عما عايشه في المؤسسة الصحية التي راجعها… فزميلنا المريض تلقى الرعاية المميزة بعد توصية جاره الامين لاحد المسؤولين في الدولة ؟!
 
وهنا خلصت إلى قناعة … ليس كل البشر ملائكة ولا يهيمن  الأشرار على كل مرافق الحياة ويبقى تطلعي أن يؤدي كل منا مسؤوليته بروح الأخيار وسمو الأخلاق والإحساس بجسامة دوره في خدمة أبناء بلدته.