بماذا يُحتج غير القرآن في بلاد المسلمين؟ وإذا كان هو الحجة فلا يجب أن يُفسَّر حسب الأهواء، ولا يُفسِّر إلا ذو علم يقين. فالقرآن الكريم قد وعد الصابئين شأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إنْ هم جميعا آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا (الآية 62 سورة البقرة، الآية 69 سورة المائدة). أليس في هذا ذكر بيّنٌ وصريح وبالإسم ودلالته وأتباعه؟
ولكن، أشد ما يعاني منه الصابئة المندائيون هذا التناول الساذج من قبل بعض المعممين والمغرضين الذين يبيحون لأنفسهم الحكم فينعتونهم بأنهم (كفرة وعبدة نجوم وكواكب!) ولا نعرف كيف أنهم يبحون لأنفسهم القفز على كلام الله وعده في الآيتين وحصرا فيما يتعلق بالصابئين، حتى جعلوهم يضجون من هذه الإساءات التي ساهمت في مغادرة نسبة عالية منهم وطنهم العراق. فهل كان الله يخشى أو يستحي من أن يصفهم بما شاء لو كانوا كذلك؟
وما يؤسف له أن الصابئة المندائيين، وهم من سكان العراق الأصليين، تظل عيونهم ولهفتهم بل وحرمة دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم متعلقة بفتاوى المراجع بعد ما يزيد على 1400 عاما من نزول القرآن وذكرهم فيه ذكرا صريحا!
ويضيف هؤلاء المعممين الذين وضعوا العِمَّة للعتمة، أن الصابئين لو دفعوا الخمس والزكاة وسوى ذلك مما يحكمون به جاز النظر في أمرهم. وكأن دماءهم التي سالت مع دماء العراقيين في الدفاع عن الوطن غير كافية! وكأن عرقهم وجهودهم في بناء الوطن شأن العراقيين ليس كافيا! وكأن تعليمهم وخدمتهم لمجتمعهم ومحبتهم الخالصة لوطنهم غير كافية! بل وكأن مفردات لغتهم التي مازالت لصق اللسان العراقي شاهد إثبات لعمق وجودهم فيه غير كافية!
أليس هذا دليل غباء في قراءة النص القرآني؟ أليس في هذا دليل نقص وحقد المتحدثين المغرضين؟ أليس في هذا علامات عدم الحرص على الوطن ومواطنيه؟ ألا يصطف هؤلاء مع الدواعش حينما إضطهدوا الإيزيديين والمسيحيين، ولو كان الصابئة المندائيون معهم لطالهم ما طال أخوانهم الآخرين.
ولا نتعرض هنا لتفسيرات الآيات القرآنية التي ذكر فيها الصابئون شأن بقية الأديان الكتابية فهذا يطول وقد كتبنا وكتب المنصفون فيه كثيرا، ولكننا نقول أن الله سبحانه هو من أقر لهم جميعا وعده الحق بشروط، كما أن الله سبحانه حينما يذكرهم جميعا في نص (الآية 17 سورة الحج) يقرر أنه هو وحده الذي “يفصل بينهم يوم القيامة”، ولم يفوض الله سبحانه الفصل في أمرهم لأي غيره ولا حتى لنبيه الكريم محمد (ص)، فكيف يأتي من يأتي ويبيح لنفسه ذلك وعلنا؟
ونقول: لو أن هذا المعمم الساذج أو ذاك المغرض المارق كان في عهد الخليفة العباسي الطائع لله عبد الله بن عبد الكريم أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، أتراه يتفوه ويتهم الصابئين وهو يقرأ منشور الخليفة الصادر بختمه والمحفوظ في دار مخطوطات جامعة لايدن بهولندا؟
((هذا كتاب منشور من عبد الله عبد الكريم لجماعة الصابئين .. أن أمير المؤمنين يأمر بصيانتكم وحراستكم والذّب عن حريمكم والحياطة من ورائكم ودفع الظلم والضيم عنكم وتوفيتكم ما يوجبه العهد والذمّة لكم وإنصافكم فيما يُجتبى من جواليكم وحِملكم فيها على عادل رسومكم والتخلية بينكم وبين مواريثكم الحشريّة وغيرها أصولها وفصولها وكثيرها وقليلها، وترك مداخلتكم فيها ومشاركتكم في شيء منها على الوجوه والأسباب كلها إذ كان أمير المؤمنين يرى فيها وفي مواريث المخالفين بأسرها رأي رسول الله عليه وآله السلام في الأثر الثابت عنه قوله إذ يقول: لا يتوارث أهل ملتين، وتمكينكم من حضور مصلياتكم ومساجدكم ومجامعكم ومشاهدكم لإقامة فرائض دينكم على ما جرت عاداتكم من غير منع لكم ولا إلحاق أذيّة ولا هضيمة بكم، فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره، وليعمل به جميع من عُرض هذا الكتاب عليه من ولاة الخراج والمعونة والأحكام والمواريث والحسبة وغيرها من الأعمال ومن خاصة المسلمين وعامتهم، وليحذروا من مخالفته والتجاوز له إن شاء الله.))
بل، وحتى زمننا المعاصر كان لبعض المسؤولين ما يلجم أفواه الباطلين في مثل هذا التطاول.
فإن لم تكفهم هذه الوضاعة في الإتهام فقد كفانا نحن الصابئة المندائيين ما شرحنا وما أوضحنا بالحجة والدليل وحسبما يرد من ذكر التوحيد والإيمان الحق في ديانتهم وكتبهم بأن الله المنزه إلاها واحدا أوحدا. ومع ذلك فنحن على إستعداد لمناظرة حقة ومباشرة وعلى الملأ في كل ذلك إن كنا نبلغ به المنتهى.
وما أبلغ ما موثق عن الإمام علي (رض) حين يقول:
النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ — أَبُــــوهُـــمُ آدَمُ وَالْأُمُّ حَــــوَّاءُ
وقِيمةُ المرءِ مَا قَدْ كان يُحسنـُـهُ — وَالجاهِلونَ لِأَهلِ العِلمِ أَعداءُ