تعد ظاهرة صناعة الطغاة والمستبدين باختلاف انتماءاتهم ودياناتهم وقومياتهم من أكثر القضايا تعقيداً منذ خلق الله الأرض واستوطن عليها الانسان كما ان الأرض استأنست بوجوده ،وهذا الاستئناس به فرض عليه قيام دولة وحكومة تعمل بقوانين وضوابط ولوائح ،وقد فسر الباحثين صنع الدولة لأربعة نظريات الاولى النظرية اللاهية والتي مفادها ان الدولة تعود نشأتها من الله تعلى وان الإنسان ليس عاملاً اساسياً في نشأتها وان الإله هو الذي اختار حكاماً مسددين مؤيدين منه ليديروا شؤونها،والثانية نظرية القوة وترى هذه النظرية ان الدولة نشأت من خلال سيطرة الأقوياء (الطغاة )على الضعفاء المستضعفين وان كثير من المجموعات الحاكمة اعتمدت القوة في الوصول لسدة الحكم مستغلة بذلك خوف وقلق الجماهير والأفراد من الحروب ،وحبهم للأمن والاستقرار وهي وسيلة لبناء دولة قوية ، والثالثة النظرية الطبيعية والتي أساساها مبني على طبيعة الإنسان الاجتماعية ،حيث ان الإنسان لا يستطيع العيش منعزلاً عن غيره من الأفراد فلابد ان يتعاونا من خلال تفاعلاتهم الاجتماعية المختلفة هنا رغبت الجماعات ان يكون لهم قيادة وسلطة ومن ثم دولة ،والرابعة نظرية العقد الاجتماعي وترى ان افراد الشعب اجمعوا على قيام دولة من خلال عقد اتفاقيات مع (الحاكمين) حيث يقبل الشعب حكم الدولة مقابل تلبية حاجات الناس الأمنية والاجتماعية ,ان عملية صنع الطغاة ليست طارئة على الواقع الإنساني والاجتماعي وذلك بفعل حالة من الصراع بين قيم العدالة والإنسانية ،وقيم الظلم والجاهلية ،وهذه الحالتين شكلت ظاهرتين في وجود الانسان ،فالأولى تتطلب الإيمان بفكر المصلحين والمخلصين والثبات على الموقف والتضحية بالأموال والأنفس وهذا ليس بالأمر السهل واليسير لان الإنسان بطبعه ينشد حب الحياة والسلطة ،والثانية ما اكثر من يعمل بها وعلى وجه الخصوص الذين يفتقرون لنصرة الحق ويفضلون
العيش بعالم الاستبداد والخضوع حفاظاً على مصالحهم الآنية والمستقبلية ،فالطاغية يضرب على اوتار حساسة وأهمها خلق حالة من القلق النفسي والاجتماعي لشعبه حتى يتمكن من وضعهم بدوامة الفوضى والتفكير المستمر بكيفية الخلاص من هذا الوضع المزري المأساوي ،اما بالسكوت والصمت المطبق لما يجري من حوله وهي نقطة تسجل لصالح الطاغية ،وطرح نظرية العدو الوهمي الذي يريد ان يفترس الأمة او المكون في أية لحظة فتنشغل الجماهير بكيفية التصدي لهذا الغول المفترس،وفي طبيعة الحال يبقى المستبد يتصرف بمقدرات المجتمع وبإرادتهم ويسلب حريتهم , ان من يساعد الطاغية على بقاءه اطول فترة ممكنة بالحكم هم الوعاظ (المنافقون) فقد نجدهم رجال دين يشرعون الفقه بما يتناسب مع طبيعة سطوة المتغطرس،وتارة من مثقفين المجتمع ونخبه الذين يقدمون أروع الصور المثمرة في مجتمعهم ،وآخرين من رعاع المجتمع الذين ينعقون مع كل ناعقة ويزمرون ويطبلون لكل من يأتي وشعارهم المثل الشعبي الدارج (ال ياخذ أمي يصير عمي ) فتواجدهم في كل زمان ومكان يصورون للناس انه الرجل الزاهد العابد الحافظ لحدود الله ، العامل بتعاليمه وسنته ناصر المظلوم على الظالم وحافظ أعراض الرعية ، كما ان صمت الأخيار هو من يجرئ المردة على افتعال وممارسة الأعمال الوحشية ،فالشواهد كثيرة وحافلة بتاريخنا المليء بالتناقضات وبرجال زينهم الوعاظ وهم لا يمتلكون تنظيم أنفسهم فكيف ينظموا حياة الآخرين من مجتمعاتهم ،عندما استشهد الامام علي (ع)في محرابه وصل الخبرلأهل الشام قال الأمويين(أو كان يصلي في المحراب ) هذا دلالة على تغيير الحقيقة ,وهو شخصية الشرق الخالدة كما عبرعنه الأديب الرائع الراحل جورج جرداق ،وصولاً للنظام البائد كيف صنعوا له صور مغايرة عن الواقع الذي هو عليه ؟القائد الأوحد والرمز الأول وفارس الأمة وحامي البوابة الشرقية وغيرها من المسميات التي ما انزل الله بها من سلطان ،يقول غوبلز وزير الدعاية الألمانية :(اكذب اكذب حتى تصدق) وفعلاً صدقوا الناس ان وجوده جزء مهم من بناء
منظومة الأمة العربية ,عندما يتعرض المجتمع الى الاضطهاد الفكري والسياسي والعوز المادي وانتشار الفقر والجوع والتحكم بمصيره ،يصبح من السهل جدا السيطرة عليه ،فالنظرة لصاحب السلطة هي نظرة وقار وهيبة وان كان لا يتحلى بالأخلاق تختلف عن الشخص العادي الفقير الذي لا حول ولا قوة له ،فقول ميكافيلي :(الامير قادر على اللعب بعقول الناس بالمكر والخداع ومن يتقن الخداع جيداً سيجد من يتقبل هذا الخداع بسهولة ) نعم هو ديدن الطغاة نجدهم دائما يطرحون نظريات مغايرة للواقع شكلاً ومضموناً فهم في وادي والجماهير بوادي اخر،لكن قدرة الله بالمرصاد لهم ، حتى شرائع السماء لم تمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم، فصاروا ميئوسا من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم ,إن الصراع الواقع على ظهر الأرض …هو صراع الحياة البشرية، إنما هو صراع الخير والشر ,بين المصلحين والمفسدين والعاقبة فيه لأهل الصلاح في الدنيا والآخرة وقوله تعلى { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } .