عندما يطيل المنفى بقاءه الطويل في زاوية من زوايا العالم البعيد يتحول الى بعض ظاهرة وأزل يدفعنا للتخيل ( أن لا منفى بدون طعم ثابت لأريكة مقهى ).
أكتب هذا وأن اتخيل المنفى العراقي في براءة تلك الاجفان الوادعة والطيبة لأبي ( حالوب ) (لبيد رشيد بكتاش (1958) الجليس الابدي وحارس المكان وفنار ذكريات سماء دمشق ، الذي نادرا ما يغبب عن مكانه في مقهى الروضة الدمشقية في شارع العابد .
غادر وطنه العراق منذ 1975 .ولم يعد اليه بعد هجرة قصيرة الى موسكو . والعودة لدمشق ليستقر فيها منذ اكثر من اربعين عام. وليتحول الى ظاهرة وخاطرة ومكان بريدي ( أممي ) لربط شتات احلام الاصدقاء المنتشرين على كل مدن الارض .
وربما هذه الجلسة الابدية لحارس فنار المنفى علمته حفظ كل الاسماء والوجوه ، وربما هو اكثر عراقي من اهديت اليه مؤلفات الذي طبعوا كتبهم بدمشق وغيرها من العواصم. ولكنك تحسه انه لم يقرأ هذه الكتب ، فلم نكن نسمع في يوما ما لهجة الكتب على لسانه.
لقد كانت لهجته بسيطة ووديعة وتتحدث عن وصول فلان من الدنمارك ومغادرة الشاعر فلان الى كندا.
مرة رأيت عنه فيلما وثائقيا على قناة الجزيرة الفضائية جعلت من حياته اليومية وركنه الثابت في المقهى مادة لأرشفة الوطن في منفاه وغرابة بعض محطاته . ولكني سمعته يقول : ان الذي اعد البرنامج واخرجه لم يمنحهُ أي حق مادي.
ابو حالوب . لم يهتم به احد في هذه الدولة ( الرسمية ) بالرغم من ان الكثير من اصحاب القرار اليوم كانت شققهم قرب شقته في منافيهم .والفرق ان ارائكهم كانت قرب بوابات حسينيات مدينة السيدة زينب ( ع ) وهو اختار ان يرتمي بأحضان الياسمين في قلب دمشق.
حالوب لبيد والمنفى هي الصورة المتنوعة للمهجر العراقي وغربته .ولكنها مع( لبيد رشيد بكداش .) تمثل خصوصية لها طعهما الخاص وكأنها تريد ان تقول لك أن الاصل في رحلة جلجامش :أنه لا يعود الى اوروك مرة اخرى.