(ماذا يفعل دولة رئيس الجمهورية خارج مقر الرئاسة، ويسمونه رئيساً لكل العراق؟ ألم يستوعب طالباني بعدُ معنى أن يكون رئيس وطن أم أنه لا ينسى أبداً كونه زعيم حزب وبيشمركة، وسمسار حروب؟).
لا أتذكر بالضبط.. ربما كان اسمها مجلة الرابطة الأدبية، تلك التي قرأت فيها في زمن أحمد حسن البكر قصيدة لتوأم الروح، صاحب الفضل الذي لا ينسى، أحمد (حسن) مطر عنوانها “مفكرة خادم”، وكانت مشبعة بالرمزية التي كنت أعرف فك رموزها لأنني كنت قريبا من مطر الذي كان يمطرنا بمطره مرتجلا قصائده ونحن نستنشق معا رائحة العشق (يعرفنه ويوالفنه) في شط العرب على الكورنيش مقابل حديقة الأمة.
أحمد مطر ذلك الشاعر الانسان، آواني في منزله، وهو المهاجر الذي كان بلا وطن ولا هوية، عندما هاجرت بجواز سفر مزور فارا بديني ونفسي الى الكويت. كتب “مفكرة خادم” منتقدا كل الحكام الذين تعاقبوا على العراق. ويحضرني منها هذا البيت، حيث إطلع الشاعر على يوميات خادم (المواطن) سجلها في مفكرته مع سيدته (الحاكم) المستبدة الظالمة المتحكمة بكل حياته وتفاصيلها، ممتصة جهده وعرقه وهي ترمي له الفتات (لافتاتٌ لا فتاتْ في الشوارع لافتاتْ في الملاهي في المقاهي في فساتين البنات)، ومع كل ذلك فهي تخطط لقتله أو لفصله:
“سيدتي تَحسَبُها تُصلي لكنها تُخطط لفصلي”.
تذكرت هذا البيت وأنا أقرأ أن السفير الأميركي في بغداد زار جلال طالباني في مقره بالسليمانية قبل أن يعود الى بغداد (لفصلي..) لإيجاد حل للأزمة “المفتعلة” بين رئيس الوزراء نوري المالكي وإقليم كردستان (والله هواي متفضل).
تُرى.. ماذا يفعل دولة رئيس الجمهورية خارج مقر الرئاسة، ويسمونه رئيساً لكل العراق؟
ألم يستوعب طالباني بعدُ معنى أن يكون رئيس وطن أم أنه لا ينسى أبداً كونه زعيم حزب وبيشمركة، وسمسار حروب؟!
قبل سقوط “الوطن”، زار مام جلال طهران قادما من لندن التي حضر فيها مؤتمر المعارضة العراقية في ديسمبر كانون الأول 2002 برعاية السفير زلماي خليل زاده.
في طهران اُستقبل مام جلال كرئيس، ورُتبَ له مؤتمر صحفي ضخم بحماية مكشوفة من وزارة الاستخبارات. ولسوء حظه فقد كنت أنا جالسا في الصف الأول.. وأمامه مباشرة.. عينك عينك.
شرع السيد جلال يتحدث مبتسما (ما مصدك كل هذه الفخامة) وقال إن السفير زلماي خليل زادة أكد لنا واشنطن ستدعمنا عسكريا لإسقاط نظام صدام.
والتقيت في لندن رئيس الحكومة البريطانية توني بلير وقلت له “عندما كنت شابا شاركت في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني للعراق. والآن أقول لكم يا سيادة توني بلير: تفضلوا الى العراق”. قالها بالفارسية وهو يكاد ينفجر من فرط فرحه.
ورد جلال “ته” على سؤال من صحفية فرنسية، مستنداً الى مقولة اشتهرت عن علي صالح السعدي وقال:
– النظام البعثي جاء الى السلطة بقطار أنجلو أميركي.
وقبل أن يتنفس الصعداء حيث شعر أنه حقق انتصارا بفضح “عمالة” النظام البعثي تدخلت أنا دون استئذان وطلب دور، وقلت له بهدوء ملؤه السخرية:
– أنتم أيضا ستأتون للحكم بقطار أنجلو أميركي.
هنا استشاط مام جلال غضبا ونسي أنه كان قبل قليل يعد بعراق ديمقراطي سعيد بعد أن يخلصهم توني بلير وزلماي من البعث الأنجلو أميركي. نظر لي والشرر يتطاير من عينيه وخاطبني أمام عشرات الصحفيين ومرافقيه من أكراد ومخابرات إيرانية:
– كلامك هذا مدفوع الأجر سلفا من إذاعة بغداد.
قالها مام جلال بالعربية ونسي أن مصوري النشط “علي” كان يصور كل ما جرى، فأنا دائما أطلب فتح الكاميرا وتصوير الغث والسمين (وهذه نصيحة للمصورين).
توهم السيد الرئيس أنه أسكتني لأنه يعرف كره الايرانيين لصدام وهو أظهرني عميلا (خوش بريج) فرددت عليه متهكما وببرود شديد:
– هذه ديمقراطيتكم التي تبشرون بها العراقيين؟! بعدك ما صرت رئيس وتهددني وتريد إسكات صوتي؟ ما الذي قلته أنا غير تكرار لما اعترفت به أنت أمام الجميع أنكم الآن تتوسلون ببريطانيا واميركا لاحتلال العراق؟
فأجاب وقد أُسقط بيده مكررا كلامه عن راديو بغداد: أنت سألت وأنا جاوبت.
قلت له وأنا أكاد يصل صوتي له فقد ضجت القاعة وارتفعت الأصوات والاحتجاجات من المرافقين:
-أنا ماسألتك. فقط حبيت أذكرك أنكم تريدون ركوب نفس القطار… مبروك عليكم ديمقراطية العراق الجديد.
وكررت نفس الجملة السابقة:
– ديكتاتور وبعدكم ماحاكمين. لو تحكمون شتسوون؟!
والله حيرة.
إن جان هذي مثل ذيج.. خوش مرقه وخوش ديج!
وعلى هالرنه طحينج ناعم
مسمار:
سألوا جلال طالباني ذات مرة: إعرب كلمة “وطن”، فأجاب فخامته:
الواو حرف عطف و”طن” = 1000كغم ومجموع نفقات فخامتي لسفرة واحدة الى أميركا2000000 دولار. بيها شي؟