17 نوفمبر، 2024 5:30 م
Search
Close this search box.

وطن كبير يقوده الضرير!!

وطن كبير يقوده الضرير!!

العراق وطن كبير بتأريخه وأرضه وسمائه وما فيه وما عليه.

ومصيبته أنه لم تتولاه قيادة بحجمه وقدرته وجوهر ذاته.

فالعراق لم يُنجب قادة ترعاه , وإنما إزدحمت البلاد بالذين تصاغروا في الكرسي والفئة والمجموعة , وغيرها من التوصيفات المنكرة وطنيا وديمقراطيا وحضاريا.

ومعضلته الأساسية , أنه لم يلد قائدا , حزبا , أو رؤية وطنية تستوعبه وتدركه وتعبّر عنه , وترتقي إلى حجمه ودوره الإنساني.

فعلى مرّ العقود , ومنذ تأسيس دولته الحديثة , وحتى اليوم , جميع القوى التي تسنمت زمام الأمور , قد تخندقت في صناديق إنقراضية وإتلافية مريرة , أخذتها إلى نهايات مأساوية أليمة ودامية.

فكانت الرؤية في النظام الملكي , تفتقد إلى آليات صناعة الوجود الوطني المتفاعل , وفي العهود الجمهورية عسكرية بحتة , ومرتبطة بنزعات وتصورات فردية وتسلطية دامية , حتى إنتهت جميعها إلى ما صارت إليه من ويلات الختام.

وبتوالي التداعيات السياسية , بما تمخض عنها من صراعات وتشظيات ونزاعات , معززة بآليات الدوران في دوائر مفرغة , تم رمي المجتمع في طواحين الإتلاف الحضاري المتواصل , والذي أصبحنا نعاني منه , ونحن نرفع أسمى الرؤى الإنسانية والحضارية , وننادي بالديمقراطية , ونأتي بنقيضها وعدوها في سلوكنا وتفاعلاتنا اليومية القاهرة.

هذا واقعنا السياسي والإجتماعي الذي ننسحق فيه جميعنا وبلا إستثناء , وذلك لأننا نغفل جوهر صناعة الوجود الوطني الصالح للناس أجمعين.

كما أننا لا نتعلم من تجاربنا أبدا , ولا نحلل أخطاءنا وندرس الحلول اللازمة لتفادي تكرار المآسي والحفاظ على الوطن والشعب , بل نستلطف الدوران في ذات الحلقة المفرغة من التداعيات ونكرر ما كان , ولا نعرف كيف نفكر بالآتي ونضع الخطط اللازمة لصناعة مستقبل مفيد.

فعلى مدى عقد مضى ونحن نكرر ذات العبارات والمسميات والمفردات , ونقترب من الحالة بذات العقلية التي ما عرفت حلا لأبسط المشكلات , وندعي الديمقراطية والحرية والحكم بالقانون , الذي ما عرفناه أو أدركنا فحواه , بقدر ما إحتشدنا حول الكراسي العامرة بالإستحواذ على خيرات البلاد , والمعزولة تماما عن معاناة ومقاساة العباد.

إنّ الأوطان لا تبنى بالقيل والقال , وكيل الإتهامات , وربط كل ما يحصل بالذي مضى وما إنقضى.

إن الأوطان تبنى بالرؤية الوطية الصادقة الفاضلة الجامعة , وبالقيادة القادرة على التفاعل الوطني الحضاري المعاصر , الذي يكفل الحقوق والواجبات لجميع الناس , بعيدا عن التصاغرات , والإندحارات في هذا الصندوق أو ذاك , وبما تستدعيه الفئوية من مسميات.

وبما أن القيادة التي ترتقي إلى حجم الوطن غائبة أو مفقودة , فأن الوطن في غيبوبة , أو أنه مفقود ومغيّب عن الوعي والإدراك , وهذا يعني أن آليات التشظي والتناثر والإضمحلال هي التي تتفاعل وتتآزر , لصناعة الوجود الواهن المتصدع , والخالي من قدرات الحفاظ على جميع الهويات.

لأن الوجود في هكذا حالة سيتحول إلى مضغة سهلة في أطباق الإلتهام الحضاري الفعّال, وفقا لآليات الإنمحاق والخروج من عالم الحياة , والدخول في أجهزة التقطير الإتلافي, التي تحوّل خامات الشعوب والأوطان إلى عناصرها اللازمة للإستثمار في بناء القوى الأخرى , وتحرير طاقاتها الضرورية لديمومة هيمنتها وإستئثارها بالحياة.

تلك هي محنة العراق , ولكي تتجدد قواه , ويلد ذاته من رحم جوهره , عليه أن يلد مَن هُمْ بحجمه , وكل وطن لا يقوده مَن يملك رؤية متفقة وحقيقته , تدوسه سنابك العصور , ويتحول إلى طحين في طاحونة السحق الغابي المعاصر.

ذلك قانون معروف وفاعل في الأرض منذ الأزل , فهل سنرتقي إلى حيث العراق , أم أننا معه على إفتراق , ونسعى إلى التحول إلى رماد , ونحن نؤجج هاوية الإحتراق؟!!

أحدث المقالات