منذ الأول من إكتوبر عام 2019 بدأت الأمواج البشرية تتلاطم كالبحر الهائج في غضب لم يسبق لها مثيل تصدح بملىء أفواهها رافعين شعار نريد وطن , من خلال إنتفاضة عارمة ضمت جميع شرائح المجتمع تجوب شوارع وأزقة بغداد والتي كانت مضرب الأمثال في عصرها الذهبي وحاضرة للعلم وقبلة العلماء حتى ذاع صيتها في أصقاع العالم وأزدهرت لتتوج بدار السلام في حينها , بالإضافة الى بعض المحافظات الثائرة ضد الحكومات الفاسدة والتي توالت لحكم العراق على مدى سنوات من الإستخفاف بمقدرات الشعب بعد تحريره من براثن الدكتاتورية المقيتة وتسلقت على أكتاف البسطاء لتعتلي كرسي الحكم وتحكم قبضتها على إدارة الدولة بجميع مفاصلها عن طريق صناديق الإقتراع وتحت غطاء الديمقراطية المزيفة في ظاهرها وفي باطنها مافيات تغذي ماكنة التزوير والتلاعب بالنتائج في وضح النهار حتى تمادت وأوغلت في بحر الفساد لتسرح وتمرح بما يحلو لها وبما لم ينزل الله بها من سلطان , كل ذلك نتيجة لضعف الإرادة السياسية وتفاقم الخلافات بين أطراف العملية السياسية والتعمد بتهميش بعض الشركاء وفقدان التوازن في إدارة المؤسسات الإدارية وغياب التوافق في العديد من القرارات المصيرية والتفرد بها من قبل بعض الجهات المتنفذة والمسنودة بميليشيات مسلحة خارج إطار المؤسسة الأمنية والعسكرية مما أضفى طابعاّ من الدكتاتورية على تنفيذ البرنامج الحكومي المعلن وتقوم بتقاسم الأدوار فيما بينها إستقواء بأجندات سياسية خارجية تعمل لمصالحها الخاصة , حتى إنحرفت عن النهج التوافقي والخط المرسوم لها بتقديم أبسط الخدمات للمواطنين مقابل تخصيص أضخم الميزانيات في تأريخ العراق منذ تأسيسه ليخرج بعجز في الموازنة تجاوز الثمانين مليار دولار والبلد يترنح تحت المديونية الخارجية والداخلية والمواطن يعاني من الفقر المدقع نتيجة للبطالة المتفشية بين صفوف الشباب العاطل عن العمل بعد تدمير القطاع الصناعي والزراعي وإنعدام التعيينات الاّ لذو حظ عظيم , يقابله ذلك سنويا أفواجاَ من الخريجين حتى بدأت هجرة العقول والكفاءات العراقية وعمت ظاهرة الرشوة في جميع المؤسسات الحكومية وهدر للمال العام بصفقات وهمية وتهريب العملة الصعبة وغسيل الأموال بمشاريع على الورق حتى طفح الكيل ووصل السيل الزبى , فخرجت بغداد والمحافظات العراقية بتظاهرات سلمية عن بكرة أبيها حسب ما كفله الدستور تنادي بالتغييرالشامل وتعديل الدستور وإبعاد المشاركين في العملية السياسية وتشكيل حكومة تكنوقراط من أصحاب الكفاءات مشهودة لها بالنزاهة والحيادية وبعيدة عن إملاءات الأحزاب والكتل السياسية , لكن إستخدام العنف من قبل الطرف الثالث لتكميم الأفواه كان هوالمشهد السائد ضد المتظاهرين السلميين وسالت الدماء الزكية من أجل الوطن الذي أستبيح من قبل الطغمة الحاكمة وتم بيعه بمزاد علني في سوق العمالة وتنصل الفاسدين وإنسلخوا من وطنيتهم المزيفة والتي طالما كانوا يتبجحون بها عن طريق أبواق إعلامهم المأجور حتى بانوا على حقيقتهم وتعروا أمام الشعب المجاهد الصابر على البلاء لسنوات خلت بدءاً من الثورات والانقلابات العسكرية والأحكام العرفية مروراّ بالدكتاتورية وانتهاء باحتلال ثلث مساحة العراق من قبل أعتى منظمة إرهابية عرفها التاريخ المعاصر, فاين الشعب من وطن مستباح تسرح وتمرح فيه الأجندات الخارجية كافة حتى تمزق الوطن أشلاءَ تذروه الرياح وكاد أن يكون المواطن غريبا في وطنه الذي ضحى من أجله بالغالي والنفيس ليبقى حراّ أبياّ , فالوطن أثمن من كل كنوز الدنيا وأغلى من كل ما يملكه المواطن , فما قيمة الإنسان بلا وطن ؟ وماذا يمكن لنا أن نسمي المواطن بلا وطن ؟