الشخوص..
الراوي..المعلم..التلميذ..المحقق ..أمرأة ..رجل من عامة الشعب..
الوقت صباحا والمكان صف مدرسي بضياء باهت ..
يدخل الراوي ببطء ..
يقول: هذه سبّورةٌ
عرضُها العمرُ
تمتدُّ دوني..
وصفٌّ صغيرٌ
بمدرسةٍ عندَ (باب المعظّمِ)
والوقتُ..
بين الصباحِ
وبين الضّحى
لَكَأنّ المعلمَ يأتي إلى الصفِّ
محتمياً، خلفَ نظارتيْهِ..
يبدا المعلم وهو يعدل هندامة بكبرياء…
صباح الخير ابناء بلادي..
فيأتي صدى جمعي صباحك خير معلمنا ..
الراوي:
: ويكتبُ فوقَ طفولتِنا بالطباشيرِ.. بيتاً من الشعرِ..
يخط بهدوء الجملة الشعرية.. وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عنْهُ…
المعلم : من بقرأ البيت؟
التلميذ: ـ أنا
الراوي:
واعترتْه، من الزهوِ،
وفي نبرتة رعْدةٌ
ونهض..
المعلم : تهجّأْ على مَهَلٍ.
. إنها كِلْمةٌ…
ليسَ يُخطِئُها القلبُ ياولدي
التلميذ : وطني…
صدى الجموع…وطني…وطني..
الراوي: فمِن أينَ تأتي القصيدةُ
والوزنُ مختلِفٌ
والزمانُ، قديمْ؟
كان صوتُ المعلمِ، يسبِقُنا:
المعلم: وطنٌ لو شُغِلتُ
الجموع: بالخلدِ عنْهُ..
الراوي :كان المعلم…
يصغي إلينا
ويمسحُ دمعتَهُ، بارتباكٍ
فنضحكُ
الله..
يبكي.. ونضحكُ..
الجموع : الله …
الراوي: يبكي.. ونضحكُ
حتى يضيقَ بنا
المعلم: ما بالكم تضحكون
أيها الأشقياءُ الصّغار
سيأتي زمانٌ..
وأُشغَلُ عنه
وأنتم ستبكونَ..
الراوي:
وزنانِ مختلفانِ..
وقلبٌ،
تقاسمَهُ جدولانْ
جدولُ الضربِ.. والحبِّ..
ماتَ المعلّمُ،
منذ سنين،
وسرتُ وراءَ جنازتِهِ..
وكان معي،
( وطنٌ لو شُغِلتُ )
وكان يراقبني الناسُ
بالخلدِ عنهُ..
التلميذ: ومرّتْ سنونٌ..
ولم يبقَ في الصفِّ
غيرَ الغلامِ الذي كنتُهُ
بين عشرين، في الأولِ المتوسّطِ..
صدى روح المعلم: من يقرأُ البيتَ؟
– أنا اقرأُ البيتَ، يا سيّدي التلميذ:
ونهضتُ..
ولكنّني،
لفرْطِ المحبّةِ، أخطأتُ في النّحوِ..
الراواي:..
فاسودّ لونُ الطباشيرِ،
واحمرّ لونُ المعلّمِ،
وامتلأَتْ وجنة التلميذ
بحبّ الشباب..
المحبّةٌ دَيْنٌ…
التلميذ: فيا سيّدي:
أعطِنا ندماً
بقدرِ محبتِنا
وخذْ قلمَ الفحمِ
وارسمْ لنا شاربيْنِ،
وزوّرْ رجولَتنا..
وقدْنا معاً،
لمظاهرةٍ، عند بابِ المعظّمِ
نحملْ وراءكَ سبّورةً من قماشٍ قديمٍ
وبيتاً من الشعرِ
لا يُخطِئُ القلبُ فيه
موسيقى …
يعود التلميذ ليسرد الحكاية..
خرجنا من الصفِّ
كانتْ براءَتُنا،
مُخبّأةً في كتابِ الحسابِ
وحين وصلنا إلى البابِ…
مؤثرات موسيقية…تدافع وهناف
مجموعة من التلاميذ تهتف بعبارات مختلفة…
لكن التلميذ يعود..
التلميذ: راح المعلّمُ يسبقنا،
أشعثَ الشعرِ
يلهثُ منْ غَيْرةٍ
ونحنُ،
وراءَ لهاثِ المعلّمِ
نبكي ونضحكُ
مختلطِينَ
بصوتِ الهتافاتِ والطلقاتِ
الراوي: فمِنْ أينَ تأتي القصيدةُ،
والمخبرونَ،
يسدّونَ كلّ الشوارعِ
حركة صاخبة واصوات رصاص وانين من وجع…
وقف المحقق ومخبرية عند عقدِ النّصارى
التلميذ للمحقق : وطني
المحقق: يشتم ويعربد بكلمات بذيئة
التلميذ: كنتُ أقولُ لكُ وطني
المحقق يواصل الشتم
التلميذ:
فيشتمُني
فأصرخُ
بالخلدِ عنهُ..
المحقق: يواصل الضرب
التلميذ: فأهتف
صاح المحقق: خذوهُ إلى السجنِ
الراوي:
فاقتادوه المخبرونَ
وعن كثبٍ
كان شعرُ المعلّمِ،
يبيضّ من ألَمٍ..
وصوتُ التلاميذِ
يشحُبُ،
بين الصّباحِ
وبين الضّحى
التلميذ:
خرجتُ من السّجنِ..
متّسِخاً..
مثلَ سبّورةٍ،
كتبَ السجناءُ عليها شتائِمَهمْ..
كنتُ ممتلئاً بالعناوينِ،
أحملُ تاريخَ كلِّ المساجينِ،
في بيتِ شعرٍ،
سيبقى يلاحِقُني..
وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عنهُ
نازعتْنِي إليهِ…عراقية..
الراوي: عراقيّةٌ
تتقِنُ الموتَ والحبَّ..
وزْنانِ مختلِفانِ
وعينانِ واسعتانِ
وحِجْلٌ ثقيلُ..
وكحْلٌ
وأسئلةٌ
المحقق:
وهو يُحدِّقُ
ما بين عينيّ:
– والآنْ..
من يقرأُ البيت؟
المرأة : أنا أقرأُ البيتَ
الراوي:
والتَمَعَتْ،
مثلَ ياقوتةٍ،
تحتَ شمسِ ضَرَاوَتِها..
وخُيّلَ لي،
أنّ هذا المحقّقَ
يمضي بها، إلى غرفةٍ
على شارعِ النهرِ
المرأة : وهي تقولُ له:
– وطني
المحقق: يشتمها…
المرأة:غاضبة.. – لو شُغلتُ..
المحقق: يبصق في وجها
المرأة. – بالخلْدِ عنهُ
الراوي:
فيضرِبُها..
فتصيحُ،
وقدْ أوجَعتْها كرامتُها
المرأة: نازعتْنِي إليْه..
في الموتِ
الراوي: كانتْ عراقيّةً..
وكانتْ، إذا أقبلَ الحبُّ
أوْ أقبلَ الموتُ
ينتابُها شغَفٌ
مثلَ قِدِّيسَةٍ..
فتُطفئُ شمعتَها.. وتموتْ
الجموع:
سُكُوتْ..
لمْ يعُدْ ثَمَّ،
مَنْ يتجرّأُ..
أنْ يتهجّأَ بيتاً مَن الشعرِ
أوْ يتذكّرُ،
في السّرِّ،
عنوانَ بيتِ حبيبتِهِ..
فالمعلمُ ماتْ
ولمْ يبقَ،
غيرُ غبارِ الطباشيرِ
والكلماتْ..
فكيفَ، تتِمُّ القصيدةُ؟
التلميذ:
إنّي لفرْطِ المحبّةِ، والحزنِ
أخطأْتُ في الوزنِ،
فانقطّعَ البثُّ
الراوي: ثمّ ابتدا البثُّ.
صوت من المذياع: طِبْتمْ صباحاً
التلميذ:
فطِبْنا.. وطابَ الصباحُ..
وأحسَسْتُ
أنّ شذىً،
يتصاعدُ منْ رحِمِ الأرضِ..
فيه مزاجٌ من الماءِ والطينِ،
والقمحِ،
قبلَ اختمارِ العجينِ..
وخُيّلَ لي،
أنّها شاشةٌ، عرْضُها العمرُ،
تمْتدُّ دوني..
لكأنّي بذاك المعلمِ،
يظهرُ، متّقداً بالحنينِ
ويقراُ للناسِ بيتاً من الشعرِ
طيف المعلم: – من يحرسُ البيتَ؟
التلميذ:
– أنتَ مَنْ يحرسُ البيتَ يا سيدي..
واعترتْني من الزّهوِ،
في نبرتْي رعْدةٌ..
فأفَقْتُ..
رأيتُ شموعاً،
ببابِ المُعَظّمِ مُوقَدَةً،
وهلالاً يسيرُ على الماءِ،
يتْبعُهُ موْكبانِ،
من الحبّ والكبريَاءِ
الراوي:
فأينَ خِتامُ القصيدةِ؟
إنّ المعلمَ يسبِقُنا..
ونحنُ وراءَ المعلمِ، نلهثُ
التلميذ: كنتُ أقولُ لهُ:
– وطني..
التلميذ: فيعانقُني..
وأهمسُ مضطرباً:
– لو شُغِلتُ..
المعلم: – بماذا شُغِلتَ
التلميذ: وطني..
الراوي: ..
لكَ اللهُ يا سيّدَ الشعراءِ..
أنا غيْرتي نازعَتْني..
وعَيّرَني،
لحظةَ الشعْرِ صَمْتي..
( رأيتُ المواكبَ تزحفُ دوني..
التلميذ:
صرختُ خذوني..
فلمْ يسْمَعِ الرّكبُ،
صوتي..
تعرّقَ للحربِ قلبي
كما الأمُّ عندَ المخاضِ،
وقدْ سَجَرَ الناسُ للخبزِ
طيف المعلم:
قلتُ:
– العوافي لكمْ
كلّ ما تسجُرُونَ
وصُبُّوا على النارِ زيتِي.. ).*
أنا رجلٌ ما يزالُ يُجرّبُ
أنْ يمزجَ الماءَ بالزّيتِ
والزيتَ بالدمِ..
والدّمَ بالدّمعِ..
ملتبسٌ
أبداً
بين وجهينِ
وجهٍ بريءٍ..
ووجهٍ مرائي
رجل اخر قال للمحقق:
– ما ترى؟
إنّهُ آخرُ العمرِ،
ما عادَ متّسعٌ،
لأُتِمَّ القصيدةَ..
خذني إلى الحربِ
يا سيّدِي..
لعلّي هنالِكَ،
أختمُها بدمائي