لم أعرف أحدا من اصحاب الطرائق قيب ان اجيء معلما الى مدرسة البواسل القابعة في عمق الاهوار ، بالرغم من أنني قرأت عن هاجس الدراويش ومعتنقي التصوف الكثير ، ومنهم الذي قتل صلبا بالخازوق في ساحة من ساحات بغداد جزاء ما ذهب اليه اشراك الخالق بخليقته وأدعى انه يراه ، وانه في بعض نشوته يستقر في جبته.
تلك النشوة التي استعدتها في عملية صلب اخرى تحدث عنها أيفو اندرتش في روايته الشهيرة ( جسر على نهر درينا ) ، وعليه كنا في لحظو نقاش الشعر الصوفي الذي كان يهوى حفظهُ احد المعلمين الذي تبين انه في خدمة الاحتياط في كركوك تعرف على جندي معه من مريدي الطريقة الكستزانية ، ومنه تعلم رؤى طرائق الدراويش وصار يحضر محافلهم ، ولهذا في بعض طقوسه الخاصة نتركه مع مدائحه التي سجلها في كاسيت مسجلته وحيث يهدء الجميع ويخلدون الى النوم يستعين بضوء القمر او النجوم ليمارس دروشة الروح والجسد بعلمنا أو بدونه.
وهكذا تعمدنا كل ليلة جمعة إذا لم يسمح لنا الظرف بالذهاب الى المدينة أن نترك المعلم ( الدرويش ) يضرب في ايقاعات روحه بدف الليل والصمت وسعة السماء التي فوق رأسه مع صدى تراويح دفعت احدهم ليسأل في لحظة استغراب : تلك ليس من استحقاقات الثقافة والموقف الحالي ، وقد خسرت للتو فتح الكثير من رجالها مع اسرائيل ، وعبد الناصر فارق الحياة ، وكاسترو تهدده امريكا كل يوم ، والسكر شح في الاسواق بسبب ارتفاع سعره وهموم اخرى لا يستطيع اي حلاج حلها .
قلت :والحل .؟
قال : التظاهر .
قلت : نأخذ اهل ام شعثه وننزل بهم في شوارع الجبايش .
قال :لا نحرض الجهة التي ننتمي اليها .
قلت :ولو أني لن احصل على نتيجة فسأكتب وانقل رغبتك الى الاجتماع والمقهى والاصدقاء.
قال ضاحكا : وصاحبنا الدرويش ماذا نفعل به .؟
قلت :ندعه غارقا في هور الله .
كان الليل يشعل في صمته توهج نار النجوم الى الجسد الذي جثى وسط الطين ونسى البرد وما حوله من دبيب ولسع حشرات وفضول سلاحف تقترب اليه ويشدها صوته المرتعش في ليلة جمعة على ضفاف لم تتعود مثل هكذا طقوس ولم يكن لدى بيوتها المصنوعة من الخشب دكات من الحجر يجلس عليها دراويش الطرائق والمتصوفة الذاهبين الى لجة الشيء في رعشة نوره كما في دكات جوامع سمر قند وبخارى وبغداد ونيسابور.
وسط هذا الصمت ، وهسهست القصب المتكلم في شوارع الريح بصوت ناعم ، كان صديقنا المعلم يؤسس لتظاهرة روحية ليس لها علاقة بالسياسة ، وحده يقود جسده الى المكان القصي في ليل الاهوار وهو يردد بكلام سمعناه جميعنا :
(( كان نقيب الأشراف يلوح بالسيف، ويتوعد مريديه بليل ليس به سوى ذكر الرب وخناجر تثقب في خاصرة الاشياء، ورقاب مثل الارض تدور ..
كلٌ يبحث عن ليلاه..والصوفي الراقص في نشوة موسيقاه ..
يصرخ بين الحشد : اسم حبيبي نور الله…..))