على الرغم من اننا نعيش في عصر التطور الحضاري والرقي الأجتماعي والسياسي والأنساني في العالم ، إلا انه ليس هناك مايدل على أننا أناس معاصرون ، فمازلنا نتغذى من عقلية أسلافنا من العصور الجاهلية ، وهي منبع أفكارنا ومصدر سلوكياتنا ، فما يجري اليوم في العراق من شيوع التخلف وأستفحال الفوضى على الصعيد الأجتماعي والسياسي ماهو الإ أنعكاس لما في دواخلنا من الرفض المطلق للتحضر والرقي الاجتماعي .
يتفشى داء التخلف في مجتمعنا ، كما مرض العضال ينخر بجسد ضحيته ، وتنتج عنه اعراض الفوضى والتعصب والصراعات العشائرية والطائفية ، فموطن اول الحضارات ومشرع اول القوانين قد أندثرت حضارته واختفت قوانيته تحت غبار الحروب الدينية والطائفية والصراعات العشائرية ، وأزدهر التعصب في العقلية العراقية الحديثة على جميع المستويات حتى اصبح تجارة رائجة أشترك بممارستها كل من رجال الدين والسياسيين الوصوليين سعيا لتحقيق غاياتهم وأشباع رغباتهم جاعلين ذهنية الأنسان العراقي محجورةً بين القبيلة والطائفة سالبون إرادته الى حدود العبودية ،
فلم يشهد تاريخ العراق حالا اسوأ مما هو عليه اليوم ، أنحطاط على جميع المستويات ؛ الصراعات العشائرية، خصوصا في جنوب العراق، باتت متكرره بصورة شبه يومية حتى اننا اعتدنا على سماع اصوات الكلاشنكوف وال بي كي سي التي تستمر لساعات او ايام وامام انظار الحكومة التي تستمتع بمشاهدة هذه المشاهد الملحمية ..
ولا تتدخل السلطة بما لايتعارض ومصالح احزابها وما يضرها في حال تجرأت واوقفت تلك الصراعات بالقوة ، وهي تدرك جيدا ان بقاءها في السلطة متوقف على رضى رؤساء القبائل ورعاياهم .. وقد عمدت ، احزاب السلطة ، إلى استمالة رؤساء العشائر ووضعتهم في الصفوف الامامية لتنظيماتها الحزبية مرسخين بذلك القيم العشائرية التي تتعارض مع قيم المجتمع المدني .
ولم تكتف السلطة بالسماح بنشوب الصراعات العشائرية واستمراها فحسب بل دأبت على تغذية التعصب والحقد الطائفي بين مكونات المجتمع العراقي عن طريق الشعارات والتصريحات الطائفية والقومية المتطرفة .. فعادة ما نشاهد زعماء احزاب السلطة وامراء الحرب يبثون سمومهم في صدور الناس من خلال خطب او لقاءات تلفزيونية معدة لهذا الغرض حيث يحرصون فيها على التحريض الطائفي والقومي وبث التفرقة وينعتون بصراحة الطرف الآخر بابشع الصفات واحقرها ، موهمين الناس على انهم زعماء منقذين ..
على العراقي ان يعي بإن هؤلاء الزعماء قد تسببوا باندلاع ابشع الحروب التي مرت على تاريخ العراق ، حين زرعواا بذور الكراهية في نفوس ابناء الوطن الواحد وسقوها بدماء الابرياء التي تسيل كل يوم باكثر ادوات القتل تدميراً كالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة واللاصقة وغيرها، فكانت ثمار تلك البذور الخبيثة هي الكراهية والعداء لكل من يحمل افكارا ومعتقدات تختلف عما لدى الآخر ، ولاسبيل للعراقيين للخلاص من هذا الجحيم غير رفض هؤلاء السياسيين وخلعهم من إدارة شؤون الدولة ، وتسليمها لشخصيات وطنية مستقلة تؤمن بإقامة مجتمع مدني تتساوى فيه جميع مكونات الشعب في الحقوق والواجبات ، وتعمل على بناء مؤسسات دولة عصرية . كما عليهم التخلص من التعصب القبلي والطائفي المقيتين للعيش سويا تحت مظلة الوطن .