24 نوفمبر، 2024 4:18 م
Search
Close this search box.

وطن جاهز

كل فرد منا ينتظر الإصلاح في حال هذا البلد. كل منا يحلم في أن يعيش متنعما بالكهرباء في غرفة دافئة في الشتاء وباردة في الصيف. من لا يحلم أن تكون المدارس كما في باقي دول العالم وأن يكون قطاع الصحة في أوجها. من منا لا يحلم في أن تكون المدينة مشجرة وتزهو باللون الأخضر في كل مكان وقد تخلصنا من النفايات التي تلوث الأزقة والدرابين.
وأنا أحلم بكل هذا خطر ببالي حديث دار بيني وبين صديق قريب إليّ حين كنا نجلس في مزرعة أحد الإخوة في منطقة شوراو بكركوك. المزرعة كانت جميلة جداً ومن الواضح أن صديقنا هذا قد صرف جهداً كثيراً ووقتاً طويلاً لحين الوصول إلى هذا الجمال. فجزء من المزرعة كانت مخصصة لأشجار الزيتون والجزء الأخر لأشجار الحمضيات. أمّا الزاوية المخصصة لأشجار النخيل فكانت مبهرة للناظرين فعلاً.
تحدثت إلى هذا الصديق وقلت له: ليتني أتمكن من شراء قطعة أرض وزراعتها كما فعل صاحبنا هذا في مزرعته. حيث أشجار الزيتون المثمرة والنخيل العالية والخضار الذي يغطي مساحات واسعة.
رد عليّ هذا الصديق وقال: حتى لو امتلكت الأرض فإنك لن تستطيع مشاهدة ما سوف تزرعه بهذا الشكل. لن تتمكن من جني ثمارها، فالأشجار التي تزرع كشتلات تستغرق وقتاً طويلاً حتى تصل إلى هذه الحالة التي تشاهدها هنا.
وقال صديقي أن هذه المزرعة استغرقت ما يقارب العشرون عاماً حتى بلغت ما بلغت. فالشتلة الواحدة تستغرق وقتاً ليس قصيراً كي تنمو وتصبح شجرة تثمر، إلى جانب ما تتطلبها كل شجرة من الرعاية والاهتمام. فهل في العمر بقية لنزرع كل هذه الأشجار وننتظرها حتى تثمر؟ فكم من عشرون عاماً أخرى قد بقيت من أعمارنا، لاسيما وإننا بلغنا ما بلغنا من العمر؟.
سألته ما الحل إذن لكي تكون لنا مزرعة كهذه؟ قال أن تشتري مزرعة جاهزة زرعه غيرك من قبل وليس لك خيار آخر.
الإصلاحات التي أوردتها في تمنياتي في مقدمة الكلام تشبه هذه الأشجار تماماً. فكما تحتاج الشجرة الواحدة إلى الوقت الكافي لتنمو وتترعرع، فإن الإصلاحات في هذا البلد تحتاج كذلك إلى الوقت الطويل. فإذا حدثت معجزة إلهية الأن وفي هذه اللحظة وجاء شخص من السماء ليبدأ بالإصلاحات في البلد اليوم قبل الغد وبدأ تواً بعمليات الإصلاح والنهوض بواقع البلد للإرتقاء إلى مصافي البلدان المتطورة، فإننا نحتاج حتما لإصلاح ما أفسده الدهر فينا إلى عشرات السنين وليس بأقل. ويبدو إننا لن نشاهد هذا البلد وقد ازدهر وتطور وأصبح يسير القطارات ومترو الأنفاق أبداً. لن نتمكن من مشاهدة الأشجار في كل مكان والمتنزهات المنورة دون إنقطاع الكهرباء. فكم بقي من العمر كي نتمكن من رؤية البلد منتعشاً؟
أمّا إذا كنا مصرين على رؤية كل ذلك، فيجب علينا البحث عن أوطان ندرك فيها كل ما نريد. علينا الهجرة إلى وطن جاهز بناه غيرنا من قبل لنحقق فيه كل ما نحلم، بعد ان حرمنا منه في وطننا.
وإلاّ فما تبقى من العمر لن يجدي لتحقيق الحلم ورؤية اوطانتا متعافية.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات