مقالة في جلد الذات
لا زلت مدفون بقلبي سرا أيها الوطن ، جثة مجهولة الأسم والعنوان والأرض و.. ، لا شاهد على قبرك ، أنت أجمل عروس أيها الوطن ، ولكنك عروس ضحية ، عروس تعاقبوا على مضاجعتها كل أفراد القبيلة بدل عريسها ، ثم تركوها عارية تنزف مضطجعة على فراش عرسها ، والذئاب تلعق دمائها ، وجاء الحراس وعوض أن يدفنوها ليستروا جريمتهم علقوها عارية مصلوبة على الصليب ، ووقفوا بعد حين في يوم العزاء ، حكام وساسة ورجال دين .. بعمائمهم وسبحهم الطويلة وخواتمهم الفضية ، يتلقون تعازي المعزين فيها غير خجلين ، غير آبهين بما فعلوا ، تاركين الصليب والمصلوب على مرمى من سرادق العزاء ، كبرين بعد الحين والحين .. ” الله أكبر ” ، ” الرحمة للوطن ” ، رجال باعوا الله ورسله وكتبه وأشتروا الشيطان وسبله وخططه ، لا وطن لي أيها الزمن ، ألا الأهات المدفونة بقلبي ، لا وطن لي ، ألا ملامح وذكرى وخيال كان أسمه ” الوطن ” .
لا وطن لي أيها الوطن ، الوطن تحول الى مدفن للجثث ، ولكن حتى الوطن في نعومة أظفاره كان ذكريات أليمة ومآتم حزينة و قصص مثيرة تتخللها في بعض الأحيان ضحكات الطفولة ، لا وطن لي ، أنا كاليتيم بدونك ، أنا كالرضيع الذي فطم قبل أوانه ، لم أكن أحلم أن تتحول الى ذكرى وطن ، ذكرى مسروقة من مخيلتي ، ذكرى حولها الغوغاء الى سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة ، كنت سمفونية ألم وحزن وأنين ولكن كنت عزيزا ، كنت روضا عبق عطره ينفذ الى الروح فتحولت الى جيفة وجثث لم يكفها القبور فطرحوها في الأنهار والترع والمزابل ، كيف للأبناء أن يتحولوا الى مغتصبين ، كيف للنخيل أن تقطع أوصال جذورها وتتحول الى حطب ترمى للنار، وكيف لفلاحي الوطن أن يبذروا الملح في الأرض بدل البذور ، أنت وطن فقد بين المقابر وتاه بين الأزقة والطرق أنت طفلة أيها الوطن فقدت مرضعتها فأرضعوها السم والكراهية والبغضاء ، أنت ” وطن الأهات ” أيها الوطن .