قديما كان صوت فيروز وديكة سطوح بيوت فقراء العراق يتنافسون منافسة شرسة على السكن في اعشاش نعاس أول الصباح تحت أجفان فقراء تلك الصباحات ، عندما تمد الشمس ضوءها بفرح بداية اليوم ليختلط صوت المغنية البيروتية بالريش الاحمر لأجنحة الديكة ، فتكون اللوحة مزيج حلم البشر وآمالهم في غيب الرزق والعشق اليومي.
بعد أن يتسلق صوت الغناء هاربا من راديو اذاعة بغداد ليتسلق السلالم الطينية بخلسةِ الحرامية ويوقظنا بهدوء أمل صغير وذكرى خاطرة ليل مضى .
وهكذا عاشت هذه المتلازمة الروحية والابدية بين صوت الديك وصوت فيروز ، وكان حساب توقيتات الذكريات لا يمر إلا عبر تلك المحطات التي تفقد طعمها اليوم شيئا فشيئا بسبب تحول الكثير من البيوت من الطين الى الرخام والدبل فاليوم ، ومغادرة المهفات اصابعنا والهجوم الكاسح لمكيفات التبريد و( السبالت ) الصينية التي لا تقاوم صيفا واحدا.
بدأت تلك الاصرة بين الديك وفيروز والعراق تفقد الكثير من لذتها ومتعتها وخصوصيتها بسبب متغيرات العولمة الجديدة وبروز قباحة الظاهرة السياسية السيئة ومنها داعش والاحتلال ولصوص الفساد وساسة المحاصصة ومآسي التهجير والهجرة وضياع المدن على يد برابرة البغدادي وغيره من الملثمين والقتلة .
لقد تبدل طعم صباحانا .والديك الذي اقترن بغداء ابو فضل العباس ( ع ) وصوت فيروز .
أصبح فقط حصان سباق الحلبة في ساحة الصراع السياسي والعسكري كما في صراع الديوك الهندية التي كانت ولم تزل تقام في اسواق الدواجن في كل المدن العراقية.
لقد تحطمت تلك المودة بين الديك وفيروز بسبب غياب جمالية الحاضنة التي كانت تجمعهما وهو ذلك الصباح الفطري البريء الذي كان يشرق بشمسه على سطوح بيوت الفقراء وتلك مأساة إنسانية تصيب ذوق الثقافة العراقية بالعطب والجلطة القلبية والخمول وهذا بالنسبة لي بعض مأساة وضياع شيئا من مقومات الموهبة قي ارواحنا التي كانت بسبب تلك الحميمية بين فيروز والديك والعراق تستطيع ان تُبدعْ اشياء كثيرة.