18 ديسمبر، 2024 6:13 م

يقال عن مجموعة السكان، الذين يحملون نفس الإنتماء الجغرافي للأرض، ويختلفون في المعتقدات والديانات، ولكن دائماً تربطهم لغة وعلمٌ واحد، وغالباً ما تكون زيجاتهم متشابهه، ليكونوا ما يعرف بالشعوب..

الكل فيهم يتبنى عقيدة الولاء للأرض، ويفتخر بأنه يحمل جواز وطنه، مستعد أن يضحي بالغالي والنفيس من أجل بلاده درءً للأخطار..هذا ما يفترض ان يكون!

لا يختلف حال العراق عن باقي بقاع المستديرة، إلا تميزهُ بأنه يملك لغتين لا واحده (عربية و كردية) وأقليات متعددة، وديانات كثيرة، تسمح له بأن يكون الوطن الجامع لمختلف أطياف الإنتماءات العقائدية والأقلية، هذا الإختلاف من شأنه أن يجعل بلدنا متماسك أجتماعياً، متنوع ثقافياً ومتحضر عمرانياً، ويكون نقطة جذب لكل سياح العالم، ليكتشفوا الأرض التي تجمع مختلف أهواء الإنسان، فيكون حينها أختلافنا قوة!

لكن الحقيقة بعيدة كثيراً عن هذا، وما نقرأهُ في الكتب القديمة عن حضارة بابل وجنانها، السومريين وإنطلاق الكتابةِ منهم، الآشوريين وتطورهم، والتاريخ المعاصر عن قوة البداوة العراقية وتحضر مدنها.. مجرد كذبة؟! هدفها أن نعيش في حلمٍ اليقظة، حتى لا نصحوا على واقعنا المرير الذي نتعايش معه يوماً بعد يوم، الواقع الذي تناقلناه من غزو القبائل لبعضها.. هذه العشائرية التي تستبيح قتل الضعيف وتهجير الأقلية، دكتاتورية أختيار الحكام، والتصفيق لكل قائد يستبيح حرمات الشعب وينتهك حقوق الدين، لكن رغم ذلك، هناك أقلية من الشعب، هو الضحية الكبرى في خضم هذا البؤس الناتج من، عمل مشترك بين جهل المجتمع وفساد الحاكمين..

لم يتوقف الهشيم الإجتماعي عند إنتهاء حقبة الدكتاتورية المظلمة، بالعكس أزداد رفاته بالتكاثر بين أروقة العقول العراقية، وتجلى للعالم بصورة أوضح بعد الإنتخابات الأخيرة، حين أنقسمت التحالفات إلى ثنائية، وكلتاهما شعارهما واحد.. مصلحة العراق؟!

لكن وكما يبدوا فالحقيقة عكس ذلك، فالطرف الثلاثي جاء بأحد الرؤوس الطائفية أبان المعركة ضد داعش، خنجر كان يتفاخر بدعمه للتنظيم الإرهابي، وشيخ قبلي جبلي يعترف ببيعه نفط الأقليم لإسرائيل، التي يرتبط بها بعلاقاتٍ علنية، ورغم ذلك مازال شعارهم “كلا للتطبيع، نعم للأصلاح!”

أما طرف الإطار الذي ينادي بحفظ دماء الشهداء، فقد أستخدم نفس الأوراق البائسة، وجاء بمن قال في 2014 “ما أحتاج العراق، ومستعد هسه أمزق جوازي، وراح ندخل لبغداد، كربلاء والنجف، وما نخلي عميل منهم عايش” وجعلوا من (سليمان) وزبانيته محور بالضد من الطرف السني بالتحالف المقابل لهم، كل ذلك ليمزقوا بعضهم ويظفروا بالعدد الكافي لتشكيل حكومة أسوء من التي سبقتها، المهم أنها توفر السحت لهم.

هذا الفساد في أروقة التحالفات من إفراج عن الفاسدين و إيواء الإرهابيين، ليس نتاج الساسة فقط، بل متجذر إلى المواطنين كذلك، لأن جزء من السنة يهتفون لخنجرهم، و جزء كبير أحتفل وأقام المآدبة لعودة سليمان..

أما على الضفة الشيعية، فهناك أتباع يهتفون كما يأمر قادتهم، فمن كان إرهابيا في 2014 أصبح شريكا في العملية السياسية في 2022، وتغيرت لديهم القناعات وأنتهى حفظ دماء الشهداء، أما مصلحة الوطن لدى الطرف الآخر، فقد أمست ما يأمر به قائدهم، والإقتتال الحاصل في منصات التواصل الإجتماعي بين العراقيين، هي مجرد إختلاف إنتماءات وليس إختلاف في المبادئ، لأن بوصلة قيمهم تتجه حيثما تتجه ولاءات قادتهم..

إن وضعنا المأساوي الذي نعيشه اليوم، سيكون مرافقا لنا، وبلادنا ستبقى بلا ملامح، لأننا شعبٌ مشتت، نتبع أهواءنا و نؤمن بطائفيتنا بدلاً من عقيدتنا الوطنية..

يبدوا ان الإنسانُ العراقي مزيج من العنف، وميل للتبعية و قليلٌ جداً من الوعي، ولن يتطور هذا الواقع إلا حين تكون المكتبة جزء لا يتجزأ من تصميم منازلنا، حالها حال المطابخ حالياً.