بواطن الامور ليست كظواهرها ومن هو داخل ماكنة الانتاج السياسي ومكنوناتها ليس كمن يقبع خارج أسوارها ودهاليزها , يتساءل العامةُ الغالبة من الشعب تساؤلاً مشروعاً لماذا تستمر حلقات الخراب فينا منذ عهود عديدة , أهي لعنةٌ أُنزلت من السماء علينا أم هي دعوة أطلقها الأولياء وعباد الصالحين علينا أم أن أبليس قد أحبَّ أرضنا وسكن فيها ولايريد أن يغادرها , حقاً انها مصيبة عندما لانجد قدراً يستجيب لنا حتى عندما نريدُ الحياة .
خرجت الاحتجاجات بنيّةٍ سليمة , مطاليب بسيطة , الكهرباء خربانة أصلحوها لنا أصلحكم الله , والماء شحيح أزيدوهُ علينا أزاد الله في أعماركم وأدام ملككم , العمل قليل فأحيوا الارض التي أثمر الله فيها من الطيبات خيراً لانستطيع أن نحصيه وأجعلونا عمال فيها نسترزق رزقاً حلالاً وان كان يسيرا , تعالت الاصوات لعلَّ هناك من يسمعها وناشدت علياء القوم وسادتهم , لقد ظَلَمنا القوم الذين يحكمونا وتسلطوا علينا بمفاهيم هي علينا جديدة , ديمقراطية فريدة لامثيل لها أتاحت لهم كل ألامتيازات التي كانوا عنها بعيدين , قصور فارهة وسيارات مدرعة وحصانات قانونية وهم على هذا الدرب سائرون , لايرون محنة الشعب ولاهم للأصوات المحتجة سامعون , قالوا لنا أنه لابد من الشراكة السياسية والتوافقية والوطنية فيما بينهم , ثم أعقبوها بأستحققات أنتخابية وقالوا هذا حقنا ونحن عليه مصرّون , قلنا هذا شأنكم ولكننا من الحرّ والبطالة نشتكي , قالوا هذا جزاءكم أنكم ولّيتمونا عليكم , تعالت الاصوات لعلّها تجد من يستمع لها من السادة العظام والمراجع الكرام , وأستجاب الله لنا بأن المرجع الاعلى قد أيّدنا وطالب بالاصلاح وهو ضد الخراب وأخذنا نترقب أيام الجمع بلهفة وترقب منقطع النظير لعلَّ هناك أملاً يستجد علينا ونطوي صفحة تلو صفحة من صفحات الخراب الذي دبَّ وأستشرى فينا .
لم يكن الامر سهلاً وليس بأمكان نصيحة أو موعظة حسنه أن تصحح مسار القاعدة التي أنتجتها الدول المستكبرة وباركتها وأيدَّتها الدول المستغفرة وصرنا بين هذه وتلك كالكرة , فوقع الاختيار على من هو على رأس السلطة وفوضوهُ بأن أعطوهُ يدٌّ من حديد ليضرب فيها من أهدر الاموال وأفسد بها ظناً منا أنه يمتلك نيّة طيبة حسنة , وأيدَّ الشعب المغلوب على أمره تلك الخطوة وناشدوا من ظنوا أنه قائدٌ مصلحٌ سيحطم حلقات الفساد حتى وأن كان في البيئة التي أنتجت لنا كل هذا الخراب , أتسع الفساد ليصبح معلنا وتشكلت حلقاته لتصبح سلسلة ألتفّت على رقابنا فخفضوا الرواتب وزادوا الضرائب وبقى أصلاح القائد المختار يدور في خطاب النيّة الحسنة فلا أصلاح ولاعمل , أنما الاعمال بالنيّات أي أن العمل مقدّم على النيّة فماذا نستفيد من حسن النيّة , هل ستزيد ساعات توفير الكهرباء أم ستُعقم المياه بالاوزون أو سترفع من مؤشرات الاقتصاد العراقي ونتحول من دولة في العالم الثالث الى دول العالم المتقدم , وهل سنبني أبراجاً للسكن أرتفاعة يزيد على المليون سم كما كان يروي لنا , وبعد عام كامل أتضح أن الامل قد خاب وأن الاصوات قد بحّت وأن الاذان لن تَسمع أبداً اصوات الشعب وهو في أشد محنهِ وأن العيون لاترى الضحايا في الاسواق ولا الاشلاء المتطايرة ولاماتبقى من ملابسهم المحترقة ولا من نعالاتهم الباقية بعد أحتراق أجسادهم وهم يبيعون الخضرة او يعملون بالعربانة من الشباب والاطفال والنساء , وليس هناك حتى من أعتذر لهم وكان الاعتذار من سندريلا القوم وسيدتهم الاولى لفقدانها الحذاء الاسطورة .
وخلال اعوام عديدة ورغم البناء والاعمار الضئيل الذي انتجته السلطات التي توالت علينا , لم يفكروا أبداً في أن يبنوا جسوراً من الثقة والتواصل مع القواعد الشعبية وظلّوا في تلك البقعة المحصنة يتناكفون ويتحاصصون ويتحالفون ويتخاصمون ويعتصمون ويدّعون الاصلاح الذي طحنوه ثم على العاقول نثروه وقالوا للشعب هذا فتاتكم فأجمعوه ويشكلون كتلاً عابرة بينما لازالت هناك صكوكاً طيارة , فما كان من الجمهور الا أن يستشيط غضباً وعبر كل المناشدات والاحتجاجات الى مستوى آخر وقرر أن يقتحم قلعتهم الخضراء وهم مقتنعون بأنها مرتع الخراب , وكان الامر حقيقة فقد دخلوها ووصلوا الى ما كانوا يحلمون به من ارجاع لخذلانهم ورفعتهم وعزتهم وحصل ما حصل من تكسير لبعض الاثاث وغيره وأسموه تخريب وللمقارنة ما هو حجم الخراب الذي أصاب المقرات نسبة للخراب الذي أصاب العراق وأهله , وهنا برزت اليدّ الحديدية التي كان من المؤمل أن تضرب المفسدين فضربت فقراء الشعب والمطالبين بأبسط حقوقه وأغلبهم من الشباب الذين فقدوا أملاً كانوا بأشد الحاجة اليه ولم تكتفي تلك اليدّ أن تضرب أجسادهم وتدميها فحسب ولكنها ضربت وبكل قوة وطنيتهم وعراقيتهم التي أدركوها وآمنوا بأن لاخلاص لهم الا التمسك بها , قد تندمل الجراح وتصبح نسياً منسيا ولكن لن تندمل جراح القلب التي تدمى من المذلة والمهانة وسيذكر التاريخ بأنهم ثائرون وليس مندسين أو موالين لأبشع سلطة سُلّطت علينا . فيا شعب العراق وأهله بكل الوانه وأطيافه اليوم لكم الخيار أما أن تخرج هاتفاً منادياً أرفع رأسك لانك عراقي أو أن تبقى قابعاً بأنتظار ذلك الهرج التكنوقراطي .