“أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”.
إن واحدة من أسوأ المحن والأزمات التي عصفت مؤخرا في البلاد هي المكيدة السياسية المفتوحة التي بعثرت وشوشت مختلف أوراق المشهد السياسي التي عاشها الشارع العراقي في تاريخه السياسي الحاضر. والمكيدة هذه هي التي دبرت أبان نداء المرجعية الرشيدة لضرب الفساد وأذرعه الأخطبوطية، وابان تأييدها لمظاهرات الشارع العراقي ولإختيارات الشعب في الاصلاح والتغيير.
إذ ترتب أنه في حال محاولة خلط تلك الأوراق مرة أخرى وترتيبها مجددا فإن الإصطدام بجدار المستحيل والتيه هي النتيجة الحتمية المتوقعة التي يتبوأ وزرها الوطن والمواطن كواحدة من بقية الضرائب الأخرى الواجبة الدفع، وهي بمثابة رد الجميل من قبل بعض ممن إعتلوا ناصية الحكم وتحكموا بالقرار السياسي لهذا الشعب المظلوم لقاء الجهود البنفسجية التي بذلها الشعب لانجاح العملية السياسية والانتخابات التشريعية المنصرمة في مواعيدها المحددة.
وحقيقة الأمر فإن هذه المكيدة ما هي الا عبارة عن نسيج آخر من مكر واحتيال وكيد وخداع وإفتتان كان قد حيك من قبل إبطال اللعبة السياسية الذين تسببوا في سرقة وضياع أموال العراق وانهيار اقتصاده على النحو الشاهد للعيان على المستوى الدولي والرسمي والشعبي، ودوافعها على ما يبدو هو إلهاء الشعب عن تأدية دوره في التغيير والاصلاح،كما وتضع بعثرة الأوراق هذه العراق على أعتاب أبواب التجزئة والتقسيم، وعلى مفترق طرق الشقاق ومحرك الفتن، وتغيب السلم الأهلي، كما وتربك الشارع وتوهمه-أي المكيدة- بعدم التمييز بين ماهو صالح من حالات التماسك والتصدي والتسديد والإصلاح والفلاح، وبين ماهو طالح من حالات الانقسام والتخلي والتسويف والإفساد والإخفاق،وتحول انظاره أيضا عن متابعة القضية الكارثية الكبرى التي تعرض لها البلد منذ السقوط في سنة 2003 ولغاية هذه اللحظة من تداع وتخلف وإخفاق وويلات وإنفجارات ومفخخات وحروب ومصائب ونكبات ومحن، وتحولها الى الانجرار وراء دفع التداعيات الادارية والبوليسية الروتينية، إذ سرعان ما تحولت هذه البعثرة مرة اخرى وبشكل لا شعوري الى حالة شبه مستديمة من حالات اليأس والقنوط، وصرف النظر عن المضي بمسيرة الاصلاحات التي تقض مضاجع سراق المال العام والفاسدين والمقصرين والمتورطين بقضايا انتهاك الأمن وتبني بعض حالات الإرهاب هي الطموح الأعظم الذي يسعون لتحقيقه والذي من أجله يسعون لتفكيك البلد ومحوه من الخارطة.
وهكذا فبعد احتواء الأزمة الأمنية وحسرها من قبل الدولة ومؤسساتها الأمنية وحشدها الشعبي المبارك، وضع البلد ومواطنوه مرة أخرى على اعتاب أزمة سياسية خانقة تؤازر الأزمة الاقتصادية المدبرة، فيتعاضدا معا-أي الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية- للدفع باتجاه تقسيم البلد إلى كانتونات متقاتلة ودويلات متناحرة، وبهذه الطريقة يتخلص السراق والمفسدون من ربقة التبعات القضائية وسطوة المساءلات القانونية، وبحسب وجهة نظرهم فهي الطريقة الملائمة الوحيدة التي تخلصهم من الوقوع الوشيك باي لحظة بشباك العدالة، والحالة هذه فانهم على استعداد تام بالإثرة بالبلد وبما فيه من أجل سلامتهم والحفاظ على مصالحهم وإمتيازاتهم، وهذا يعني ان مصير البلد وشعبه من نظرهم مرهون بمصيرهم هم وبمدى سلامتهم، ووحدة البلد وأمصاره كذلك أصبحت رهنا بمدى دوام تمتعهم بمكاسبهم ونحلهم ومسروقاتهم التي سرقوها من العراق والعراقيين.
وهذا المخطط المتعلق بالتداعي الأمني العسكري والاقتصادي والسياسي ليس بجديد او أن جيئ به بمحض صدفة، بل هو ما خطط له أبان السقوط بنية التقسيم، على فرض إفترضوه طبقا لتلك النية بأن العراق قد يفشل بالدفاع عن نفسه عسكريا أثناء مهاجمة داعش لأرضه وسيادته، وقد يعجز أيضا عن استعادتهما، فضلا عن فشله السياسي الذريع في تسيير أمور الدولة وإسعاد المواطنين وحفظ حقوقهم وتأمين خدماتهم الانسانية والمادية ومكتسباتهم، الأمر الذي يستدعي تقسيمه إلى عدة دويلات ضعيفة متناحرة وبهذا يكون العراق برؤيتهم قد سقط وفشل عسكريا وأمنيا واقتصاديا وجغرافيا وسياسيا وفشل فشلا ذريعا من كافة النواحي، “ونبرأ الى الله مما يدعون ويتمنون لنا ولبلدنا مما نخاف منه ونخشى، وحسبنا الله فيهم ونعم الوكيل”.
كانت تلك هي أمانيهم وأماني السياسيين الفاسدين والتي تعبر عن الهاجس الذي جعلهم أن يسرقوا أموال العراق بشكل جائر وبشع، وأن يؤسسوا كذلك للمكيدة السياسية المفتوحة، منتظرون بذلك صمام أمانهم ومخلصهم الوحيد”التقسيم”بتنفيذ ساعة الشروع والمباشرة، وهكذا وبواسطة التقسيم سوف يضيع الخيط والعصفور بحسب تخطيطهم وتفكيرهم الضيق، والحالة هذه قد يصدق ظنهم بأن يتخلصوا من جميع المساءلات والملاحقات القضائية إذا أخذ الفساد مأخذه في نفوس حماة الدستور والقضاء والقانون وأهل الحل والعقد، وهكذا فقد يبدو لهم انهم نجحوا في انهم وضعوا العراق بين كماشتي المكيدة السياسية المفتوحة وبين بعبع التقسيم الذي يسيل له لعاب الكيان الصهيوني وأعراب المرحلة، فضلا عن توفير ملاذ آمن لابطال المكيدة، بعد انتهاء أدوارهم وتنفيذ واجباتهم الموكلة اليهم.
لكن فتوى السيد السيستاني دام ظله الوارف في الجهاد الكفائي قلبت المعادلة وغيرت جميع الموازين والمفاهيم والمواقف والتوقعات رأسا على عقب، وأفشلت جميع خطط التقسيم والضياع والتيه، ووضعت السراق والمفسدين في موقف حرج لا يحسدون عليه، لذلك فكروا بإسقاط العراق اقتصاديا من خلال افراغه من الأموال والثروات وسرقتها لصالح مصالحهم الشخصية وإشباعا لطمعهم وجشعهم ببيعهم المشين لبلدهم وتبديد ثرواته الطائلة. بعد انقطاع أملهم بالتقسيم بسبب صمود العامل الأمني.
كل ماجرى ويجري على العراق في الوقت الحاضر هو ضرب من ضروب أفعال الاستعمار العالمي الجديد، والتي جيء بها بمقاسات مواكبة لركب دول الاستكبار العالمي الإستعمارية، من حيث إن تلك الدول طورت اساليبها في الاستعمار من خلال بناء منظمات إرهابية على غرار عصابات داعش، مهماتها مطابقة تماما لأفعال داعش، ولكن مهمتها الأساسية إنشاء موطئ قدم، وتدمير الإنسان والحضارة والتراث والاقتصاد وكل شيء حي يتعارض مع سياسات دول الاستكبار والصهيونية العالمية، وما داعش وما شابهها من عصابات ارهابية موزعة هنا وهناك ما هي الا نمط من انماط استعمار المرحلة التي ترعاه تلك الدول بمباركة الصهيونية والموساد العالميتين، وداعش بأعمالها المشينة لا تمثل إلا صورة مصغرة من أعمالهم وصنيعهم، ومع وجود داعش اللقيطة ادخل العراق في متاهة من أمره واصبحوا هم ومن تبعهم من السياسيين الخونة المسيطرون على ثرواته وخيراته، وفي ظل هذه الأوضاع المختلفة تمكنت دول الإستكبار أن تبسط نفوذها وسطوتها على البلاد، فانا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. “وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ”.