19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

( وصيفة ) امرأة عظيمة من الديوانية

( وصيفة ) امرأة عظيمة من الديوانية

الحاجة وصيفة  وتلفظ (أوصيفة ) ومن منا جيلنا وخصوصا منطقة (الحي الجمهوري)  لا يتذكر تلك الامرأة  العاملة الذكية؟ التي كانت تمثل عقلا اقتصاديا رائعا رغم انها لا تقرأ ولا تكتب , كانت تدير العمال واي عمال؟ واي عمل قاسي ؟ انهم عمال صناعة الطابوق , مكافحة في مجتمع يكره عادات العمل ويمجد الغزو , رائدة في كونها تمثل مشروعا خاصا لا يدعمه احد لا الدولة ولا الناس , عقلها وتصميمها كان رأسمالها الوحيد , كانت دافعا قويا للرجال الذين يعملون معها وسوطا مسلطا على الكسالى الذين لا يعجبها كسلهم  , كانت مثالا لزمن كنا ننتج فيها بعضا من خبزنا وبعض من ملابسنا قبل ان نتحول الى بلد يستورد حتى ملابسه الداخلية ومياهه التي تأتيه معلبة من بلاد لا تمتلك الا الصحراء والابار الارتوازية .
قد يتصور البعض اني ابالغ في وصف هذه الامرأة وله الحق فقد فتح عينيه في بيئة كسولة تعتمد ريعية الدولة وتعلم ان العمل الشاق هو شيء من التاريخ بعد ان اصبح اغلب العراقيين مرتبطين بشكل مباشر او غير مباشر بما تجود به خزانة الحكومة عليهم من خلال وظائف مليونيه يقدر عدد العاطلين فيها بمعدل 75% حسب احصاءات حكومية .
دعونا نتكلم بالأرقام عن السيدة ( وصيفة جاسم حسن الكعبي ) التي جاءت الى الدنيا عام 1929 في غماس .
– منتجاتها من الطابوق غطت اكثر من خمسة عشر منطقة في الديوانية بل علامتها التجارية المطبوعة على الطابوق تمثل عامل جذب للزبائن لأنها نوعية جيدة وتخضع لسيطرتها(النوعية ) و وقد كان عدد العاملين لديها بحدود 500 عامل , اليس هذا يمثل مؤسسة صناعية ناجحة ؟
– مزارعة ناجحة , بل حولت مؤسسة خاسره من مؤسسات الدولة الزراعية الى مؤسسة رابحة بعدما استأجرت عام 1985 ما يسمى في الديوانية ( الثروة الحيوانية ) ولازالت بعهده اولادها , وكان عدد الفلاحين لديها يتجاوز ال 50 فلاحا , ومرة اخرى تشكل مؤسسة اقتصادية (زراعية) ناجحة .
– بعدما انتقلت من الاسكان الى منطقة الجمهوري الناشئة حديثا آنذاك بدأت البيع بالتقسيط لتسهيل بيع الطابوق للفقراء وايضا لتسويق منتجاتها بسهوله ويسر ضمن سياسة سوق ناجحة كانت تمارسها بفطرتها العجيبة .
واجهت الكثير من الصعوبات منها يتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي الفاشل في العراق الذي يحارب اي عمل خاص بل يتصرف كوحش كاسر لأفشال اي تجربة اقتصادية ناجحة وكأن الموظف  وجد ليقوم بدوره المدمر في تدمير الاقتصاد وأهمه القطاع الخاص .
وواجهت ايضا صعوبات اخرى متعلقة بطبيعة النظام السابق وطرق الابتزاز بحجج كثيرة تبدأ من اجازة العمل ولا تنتهي بمعايير ( البيئة  الكاذبة ) ضد الاعمال الصناعية الناجحة , ولا زالت للأسف نفس المعايير في الزمن ( الديمقراطي ) لكن بوجوه جديدة  وشعارات مختلفة .
غادرت الحاجة ( وصيفه ) الدنيا في 6/6/2010  تاركة ورائها ارثا من العمل الحقيقي المرتبط بعوامل الاقتصاد الحقيقة ( الزراعة والصناعة )  وتجربة فريدة يصعب تكرارها مرة اخرى , اما لماذا اكتب عنها ؟
فهو محاولة لاحترام قيم العمل وتمجيد الشرف الحقيقي المتمثل بالعمل المنتج الذي يخدم المجتمع ومخالفه لقواعدنا في تمجيد الشعراء والقوالين ومحاولة لأثبات ان امراه واحدة كانت بحجم مؤسسة  ووفاء منا لتجارب مهمه لو كانت في بلد آخر لكانت ماركتها ( وصيفه ) علامة يعتز به ويدافع عنها البلد كله وليس الديوانية وحدها .