ونحن نقترب من التجربة الانتخابية الرابعة، يتفاوت المواطنون بين متفائل بنتائجها -وهم الأعم الأغلب- وبين يائس مما ستفرزه صناديق الاقتراع، وقطعا للأول أسباب تفاؤله وللثاني مبررات قنوطه. فأما الأول فهو يستند في تفاؤله على ان المواطن باتت لديه من تجاربه الماضية في سنواته العجاف قوة حدس، تمكنه من معرفة مايضمره المرشحون القادمون اليه من نيات وأهداف وغايات مختلفة، ولاينكر ان من بينهم أشخاص نستطيع ان نطلق عليهم مصطلح (سمچ بالشط) قد يفوتنا من خباياهم الكثير ومن خفاياهم أكثر، وهو أمر له من الخطورة ما يضيف السنين الأربعة المقبلة الى قائمة السنين العجاف الماضيات، وكما يقول مثلنا: (چنك يابو زيد ماغزيت). وهنا على الناخب وضع حسابات جديدة غير السابقة في تجاربه الثلاث التي خاضها في أشد الظروف الأمنية صعوبة، وأكثر المواقف السياسية حساسية وحراجة. ولايمكن نسيان الصعاب التي رافقت ذهاب الناخبين الى مراكز الاقتراع، وتعرضهم لضغوط شتى لمنعهم من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب، وفي حقيقة الأمر لم تكن النتائج توازي تلك التضحيات، بدليل ان البلد دخل متاهات الصراعات بين المرشحين بعد فوزهم وتبوئهم مراكزهم ومواقع مسؤولياتهم، وانقلب بعضهم -بل أغلبهم- على ماكان يدعيه ويعد الناخب به. وتلك النتيجة قطعا حزت في نفس الناخب المتفائل، حين صار محصوله من الوعود سرابا، ومن الآمال خيبة، ومن الاعتماد خذلانا، ومن الثقة زعزعة، ومن اليقين شكوكا، في الوقت الذي كان قد ظن ان حلمه في العيش كباقي شعوب العالم، بات على وشك التحقيق، فتولدت لديه تبعا لهذه الإحباطات خبرة لايستهان بها فيمن يحكمونه.
لقد قلّب العراقيون خلال مايقرب عقدا ونصف العقد، صفحات عديدة لم يكونوا قد قلبوها في سابقات السنين، ولايمكن القول بعد (الضيم والظلايم) عن تجربة سيخوضونها للمرة الرابعة أنها تجربة فتية، فقد تمرس العراقيون وخبروا أصناف السياسات ودهاليزها، ومرر ساسة سابقون وآخرون لاحقون عليهم دقائق أمور في إدارة البلد، لم تكن تخفى عليهم، وهم أحفاد من حارب الانكليز قبل عقود، وهم ذاتهم أولاد الثائرين في ثورة العشرين. ورغم القمع الذي شهدته شرائح البلد كافة خلال أربعة عقود، وهي ترزح تحت وطأة حكم دكتاتوري دموي، إلا أنها نهضت وانتفضت أكثر من مرة في مدن ومحافظات وقرى، كادت تطيح بذاك الحكم قبل وصول الغرب الى هذه النتيجة، وقطعا كل هذه السنين رسخت دروسا وعظات في عقل الفرد العراقي، مازال الى اليوم يستعيد ذكراها، رغم ان أغلبها كان مؤلما.
وأما الثاني اليائس مما ستلده صناديق الاقتراع، فعليه خوض التجربة وفق أسس ليست كالتي خاض وفقها السابقات، فبتغيير السبيل يتغير الاتجاه، وبتغيير الاتجاه تتغير النتائج، وتطرح حينها نتائج أقرب الى تحقيق مايصبو اليه، وهذا يتطلب الحزم والدقة في الانتقاء، ورحم الله الملا عبود الكرخي حين قال قبل ثمانين عاما:
لازم انميز الزين امن الزلم
وننتخب كلمن شهم صاحب علم
ونرفض اللي يجي كل يوم ابفلم
من ايشوف المنصب اشويه اندرچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ