19 ديسمبر، 2024 12:13 ص

وسيفوز السيد الرئيس أيضا

وسيفوز السيد الرئيس أيضا

سيبقى الوطن خروفا مشويا على موائد اللئام، ما دامت جماهيره العريضة تضع الطائفة والقومية والعشيرة، فوق كل اعتبار.

قبل انتخابات العام 2010 تنبأت الدنيا كلها بسقوط مهاجمِ بيوت العراقيين، ومبعثرِ أموالهم، نوري المالكي، وعدم فوزه بدورة ثانية، رئيسا للوزراء، وفاز، بالرغم من كل صناديق الاقتراع، وتحققت النبوءة.

واليوم يتنبأ الكثيرون برحيل دولة الرئيس حيدر العبادي، وعدم فوزه برئاسة ثانية، ولكنه سيمكث رئيسا، أيضا، وبعدد مقاعد غير متوقع، مهما قال المنافسون والمتشككون، أو فعلوا. وسوف تتحقق النبوءة أيضا.

إن من يؤكد ذلك ليس “فتاح فال”، ولا قارئ فنجان، ولكن في عراق المسدسات والخناجر والسواطير والمفخخات وهواتف السفارات والقنصليات والمخابرات، وأشياء أخرى، لن يحدث غير المقدر والمكتوب.

فلو أجلسنا عابر سبيل، ليس له لا في العير ولا النفير، ولا يعرف الفرق بين طين وعجين، على كرسي الرئاسة، في عراقنا الديمقراطي الجديد، ومنحناه الجيش والشرطة والأمن الوطني والأمن الخاص والمخابرات والخارجية والصناعة والتجارة والزراعة والري والأوقاف والمحاكم والسجون والثقافة والفنون، ووضعنا بين يديه أطنان الدنانير والدولارات التي تسهُل بعثرتها اختلاسا، أو تحويلا لدعم الشقية إيران، أو تهريبا إلى الأردن ودبي ولندن وبيروت، فلن يفوز عليه لا طرزان ولا نيلسون مانديلا ولا شارل ديغول ولا عبدالكريم قاسم ولا صدام حسين.

وهل منا مَن ينسى كيف كانت الجماهير العريضة تزحف على بطونها لتهتف بالروح والدم لرئيس جلاد قامت هي ذاتها، في ما بعد، بضرب تماثيله وصوره بالأحذية؟

وهل منا مَن ينسى ذلك المواطن الذي جرح يده وختم بدمه على استمارة الاستفتاء تأييدا لصدام حسين في الثمانينات من القرن الماضي؟

صحيح أن هذه حالة تشاؤمية مبالغ فيها، ولكن الواقع العراقي الحالي لا يسمح بغير ذلك.

ففي تاريخ الشعوب المشابهة لحالة شعبنا، من فجر التاريخ، أو من بدء كتابته على وجه التحديد، وقائع ثابتة تؤكد أن الفائز دائما في الانتخابات والاستفتاءات العامة هو إما (الحاكمُ) القوي الذي تخاف الجماهير العريضة من بطانته وأسرته ومخابراته، أو الحاكمُ الضعيف المتقلب الخواف المتردد، (حيدر العبادي مثالا)، ولكنْ الممسكُ بمفاتيح الخزينة الذي تسعى الجماهير العريضة لنيل بركاتها، صفقات وعمولات، وهدايا، ومكافآت، ولا يهمها أن يقال إن إغداقه فساد، وعطاياه اختلاس.

وفي الدول ذات العاهات المستدامة التي سبقتنا في التخلف والتزوير والافتراء غالبا ما يصبح الباطل حقا، والظلم عدالة، والفساد شطارة. وحين يكون المرشح رئيسا للجمهورية أو رئيسا للوزراء، أثناء فترة الانتخابات، فلا أمل في الاحتكام لضمائر الناخبين وعقولهم، إلا في النادر القليل.

والدليل على ذلك أن أغلب الذين دخلوا مجالس المحافظات والبرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، عندنا في العراق الديمقراطي الجديد، فازوا فقط بإعجاب الجماهير بعلمهم وخبراتهم ونزاهتهم واستقامتهم وصدقهم وشجاعتهم. حتى أن أي واحد منهم لم ينفق على دعايته الانتخابية إلا من ماله الحلال الذي ورثه عن أبيه وجدوده، أو مما ادخره في غربته في مقاهي دمشق أو طهران أو لندن أو الرياض أو عمان أو واشنطن، من عرق الجبين، وسهر الليالي.

وقد ثبت بالوجه الشرعي، على مدى كل سنوات الخراب، من عام 2003 وحتى اليوم، أن أحدا منهم لم يمد يده إلى مال حرام، أبدا، ولم يعين أخاه أو ابنه أو صهره وزيرا أو سفيرا أو مديرا عاما، وهو أمي لا يستطيع كتابة جملة مفيدة.

وسواءٌ تغيرت مفوضية الانتخابات أو لم تتغير، فنحن نبشركم، من اليوم، بفوز (أصحاب الطلعة البهية) رؤساء الوزراء والجمهورية والبرلمان وحزب الدعوة والحشد الشعبي والمجلس الأعلى وبدر وتيار الأخ مقتدى الصدر وجماعة نجيفي وإياد علاوي وصالح المطلق ومشعان الجبوري.

وسيسقط في الانتخابات المقبلة جميع أهل العلم والخلق والشهامة والنزاهة. وسيبقى الوطن خروفا مشويا على موائد اللئام، ما دامت جماهيره العريضة تضع الطائفة، والقومية، والعشيرة، فوق كل اعتبار، وتبيع لنصاب وعميل ومنافق وجزار، وطنها اليوم، ووطنها غدا، ووطنها بعد عشرات السنين.

نقلا عن العرب