في بداية الحديث لا بد من الاشارة الى مفهوم الوسطية في المجال السياسي وان نرتقي ببساطة فوق مسرح معناها ومصطلحها السياسي فعندما يطفوا فوق سطح الواقع او المؤسسة السياسية لبلد ما خلافا بين كتلتين او حزبين او اكثر لاختلاف مناظيرهما السياسية حول مستقبل البلد اواسلوب ادارته اوالنظام الاصلح له اوالطريقة الفضلى للتعامل مع ازماته فمن الطبيعي أختلاف هذه الرؤى والمناضير يسبب مخاضا لولادة صراعا وخلافا سريعا بينهما ومن البديهي ايضا في خضم هكذا خلاف ستطرح اراء ومواقف تدعم كلا المتخالفين وتنصر وتؤيد احدهما ضد الاخروعادة ينشأ هذا التأييد وتنطلق هذه النصرة من منطلقات سياسية وايدلوجية وعقائدية وثقافية في اغلبها ولسنا بصدد بيان المؤيد او المعارض ولكن هناك اتجاه اخر يتبنى وينهج طروحات وافكار ترتدي لباس الوسطية في التعامل مع الاطراف المتصارعة ونظرة توافقية لحل الخلافات القائمة وهو موضوع المقال فالوسطية هي عدم التأييد وعدم المعارضة لكلا الاتجاهين المختلفين ودائما يتغنى الوسطي اوالتوافقي بأناشيد من المبررات لتزيين وتجميل وقبول رؤيته الوسطية ومن هذه المبررات دائما الخروج من الازمة بحفظ ماء الوجه لاطراف التناقض والخلاف وهنا لابد من توضيح مهم واساسي .
لمعرفة قيمة المواقف الوسطية السياسية لابد من الرجوع الى ذات الخلاف وجوهره فاذا كان الخلاف في الية الوصول لتحقيق رفاه الشعب والمواطن ووحدة البلد هنا يمكن ان تقبل الوسطية وتبرر بل يمكن ان تمتدح ايضا .ولكن اذا كان الخلاف جوهريا خلافا مبدئيا واسترتيجيا او ان احد اطراف الخلاف يسبب في جرح عقيدة وفكر ويتبنى رؤى تحمل بين ثناياها تغييرا شاملا لسياسة البلد ويجر البلد الى مزالق الطائفية والفرقة والانقسام والاساءة الى مجمل الاطروحة العقائدية التي يحملها البعض من الناس كما في الازمة الحالية التي يعيشها العراق و اهم اطرافها المالكي وحزبه الحاكم والمكون السني. هنا يجب ان نتكلم عن وسطية المجلس الاعلى ، فبالتاكيد وسطية الحكيم السياسية هنا لا تضر ولاتنفع ولاتجدي نفعا لان ما ذكرناه من جوهر وذات الخلاف خطير جدا فهو خلاف واختلاف يسير بالبلاد الى مالا يحمد عقباه والكل يصرح بن الحين ،والحين الاخر بذلك من كلا الاطراف وتواجدت فيه بوضوح العناصر التي ذكرنها انفا من تصارع فكري عقائدي استراتيجي يشق الصف ويكسر عصا الوحدة الاسلامية والوطنية ويشوه نظرية مكون بأكمله وأقصد الاساءة الى التشيع وما يحمله من رؤى ونظريات القيادة المستقبلية فلا يمكن ان تصدق هنا وسطية سياسية ومن البلادة والغباء ايجاد مبررات لها ولايمكن رسم مساحة او دائرة في هذا الواقع المختلف والمتصارع لوقوف الوسطيين فيها فمثل هكذا اراء وأفكار ملونة ومنمقة بحروف الواو والسين والطاء لايمكن فهمها ولا يشم منها الا روائح المصالح الحزبية والفئوية المملة ولا يرى منها الا صور التخطيط لمستقبل الكتلة والحزب السياسي الوسطي فتكون هذه الطروحات والافكار بعيدة عن تدعايات الخلاف ومأساويته المحتملة ولاتحمل الوسطية التي يتبناها المجلس الاعلى الا معنى المساواة بين مفتعلي الازمات والمستبدين بالرأي وتهميش الاخرين وبين من يريد حرية سياسية وشراكة وطنية ورفض الكيل بمكيالين في القضايا الاساسية وهذا هو الظلم بعينه.
ويمكننا اخيرا ان نصف الثقافة الوسطية هنا في هكذا خلاف حساس بأنها صوت حق يراد به باطل وفي نهاية المقال يجب ان نعترف ان الوسطية في العمل السياسي الحساس مرفوضة ولا تؤتي ثمارها بل انها تضر كثيرا إذا تجذرت كثقافة في التعامل مع الصراعات .