تعمل المكونات النفسية للوصول لحدوها القصوى لعملية التقارب الوصفي التي تكون بداياتها ضمن مدياتها الوصفية التي تواكب صعودها التدريجي للوصول بالعملية الشعرية الى المديات التي تحكم فيها طواعية على المتلقي بالقبول والإنسجام ثم التعاطف لإقامة شراكة ما بين البناء الفني للنص والبناء النفسي الذي يبنى عليه المتلقي مايراه مناسبا لإثارة مكمن هنا ومكمن هناك ،وبالتالي فأن إستخدام المديات البصرية واللونية والصوتية تتدخل كأبعاد أثيرية تعمل على إذابة الصورة الواقعية في صور أكثر إتساعا وأكثر شمولية بحكم ذلك الترابط المنسجم مابين الموجودات البيئة والموجودات الباطنية والتي هي الوسيلة للرقي الأمين بالبوح الذي تقتضيه طبيعة الفكرة التي تأخذ منحى التشكيل الدلالي في صور الفراق المتعددة التي يحسن الشاعر بنشرها ضمن الضرف الذي تقتضية حساسية ذلك الألم ولوعته،
ولاشك أن مثل تلك النصوص يحتاج الى المزيد من الجدية في المحافظة على سياق الخط العام للحدث وسياق شحنه بالمزيد من الإنفلاتات
العاطفية المتوازنة وأختيار النقلات المتأنية وبالتأكيد فأن الشاعر ناصر الوبير قد وجد مبتغاه حين عرج من الهم الذاتي الى الهم الجمعي في مقدمة أبياته الثلاث فوجد بالوطن الضالة والمبتغى لجمع ماتبقى من بقايا تلك الليالي وبهذا المنحنى لابد لي أن أستذكر ضمن ذلك ذلك البناء في الشعر العربي القديم وتحديدا الشعر الجاهلي على وجه التحديد وولوجه في أغراض الشعر المختلفة وأفتتاحياته التي يجعل من الوصف والمفارقة مدخلا للإثارة وترتيب النص الشعري ضمن دعامات متنوعة لكنها لاتخرج عن وحدة الموضوع إذ يلعب بها المكان والحبيبة دورا في رسم مايمكن من جميع المشاهد المادية لإثارة العاطفة وفق ذلك الإبتغاء والذوبان في الآخر ،،
لقد صاغ الوبير بيانه الخطابي بأنسجام متكامل مابين جمع من مؤثراته ومنها المؤثر اللغوي وحسن إستخدام المفردة وبالتالي حسن إنسجام الجملة الشعرية ومن خلالها تقديم الصورة الشعرية الحزينة والمؤلمة :
يبلل هالندى غصن الشجر يوم الصباح يحين
ويرحل مع مناديل النهار ولا يواسينا
تهب الريح وتحن الغصون لهيبته وتلين
وكأن بمنظره لهفة على الذكرى تنادينا
من الفرقا نعيش أيامنا غربه ولين الحين
ندور عن وطن يجمع بقايا من ليالينا
ذبحني هالحنين اللي منحني منظر المسكين
يهز أيامنا الحلوة وتتساقط أمانينا ،
أن الصورة الشعرية لناصر الوبير تظهر من معدنها رغم وقوعها بين عالمين عالم المعنى وعالم الحس المباشر كما عبر الجرجاني عن ذلك وبما ان الجملة الشعرية تخلق صورها من صورها بتفعيل الحزن وادامة الذاكرة
ضمن مديات الماضي فلابد ان يكون هناك نوع من الدفع الحيوي ليعزز من الحقائق الزمكانية والتي لم يخش الشاعر من التعامل العددي معها وفق احقية الذات التي تولد في نفسه شرارة تلو اخرى وهو يمسك بالأدوات المتيسرة التي جلها يستخلص من الطبيعة ومكوناتها
وبما انها معاشة ومالوفة فقد سهلت للشاعر انسيابيته
عبر التاثير الإيقاعي المتناوب في النص مابين انتقالة واخرى مابين شكوى وقبول مابين مرار وامر منه ومابين قناعات بانقطاع شبه أبدي :
دخيلك ياعيون أحلامنا وشعاد لو تبكين
جفاف الحظ موّت هالأمل بعيون ساقينا
يأس منا المكان اللي تلحفنا ثمان سنين
وأحسه يلفظ أنفاسه بعد ماتت خطاوينا
تخيل من ثلاث سنين وعيون البشر سكين
ملت روحي من طعون السؤال اللي يعادينا
تعبنا .. كم نفتش في خبايا كلمة البعدين
ندور في عيون أيامها لحظة تلاقينا،
لقد أكملت خصائص اللغة والتي خرجت لبعد أخر من محليتها أكملت أغراضها ضمن بعديها النفسي والفني وخصصت لها كيانا معلوما كون علاقاتها قد نظمتها المخيلة بشكل دقيق فالمنفى له حضوره والإنتظار له وجوده والشاعر الوبير يمثل الشيء بشيئته ولكن بحجم يتناسب وغرضه الشعري :
أنا حزن الغروب اللي وقف بين النهار وبين
ظلامَ يسهر عيون المواجع في منافينا
أنا الذكرى الحزينة / والتعاليل /وبيوت الطين
أنا حزن الرحيل ودمع منديله أيادينا
حبيبي طالت الغيبة وأنا لي هاجس للحين
يدور عن وطن يجمع بقايا من ليالينا
[email protected]
هامش /
بقايا من ليالينا / ناصر الوبير / مجلة العاصمة العدد الأول