للمرة الثالثة أكرر هذه المقدمة:
“يتصرف أغلبنا، نحن العراقيين، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً”.
ومناسبة ذكرها هذه المرة هو ما يحدث عندما يتولى شخص ما وزارة معينة في الحكومة العراقية ثم يتولى وزارة غيرها عند تشكيل حكومة جديدة، عندها يبدأ الكلام السلبي والتعليقات الرافضة بل وحتى (التحشيش) عن الوزير (بتاع كلو)! كما يقول أخوتنا المصريون.
السؤال الكبير: هل من الصحيح أن يتولى شخص ما عدة وزارات وباختصاصات مختلفة؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي الإجابة على أسئلة أخرى لنتبين حقيقة الموضوع:
السؤال الأول: ما هي وظيفة الوزير؟
الوزير هو الرئيس الأعلى للوزارة ويتولى رسم السياسة العامة لوزارته في ضوء إستراتيجيات عامة تضعها الحكومة في بيانها الوزاري، أي انه قائد فريق عمل الوزارة المسؤول عن وضع خطط عملها لتطوير اختصاصها بما يقدم أفضل خدمة للمواطنين.
السؤال الثاني: هل يجب ان يكون الوزير خبيراً في تخصص الوزارة التي يتولاها؟
لا يتشرط في الوزير ان يكون فنياً أو خبيراً في أعمال وزارته، بل لابد ان يكون إدارياً ومخططاً ناجحاً، وان جمع الخبرة الإدارية مع الاختصاص فهذا أفضل أكيداً.
السؤال الثالث: اذن من يتولى الأمور الفنية التخصصية في الوزارة؟
انهم الوكلاء والمدراء العامين والمستشارين في الوزارة الذين يجب ان يكونوا خبراء في أختصاص وزارتهم، ولهذا تحرص حكومات الدول على ابعادهم عن المحاصصة حتى في الحكومات الائتلافية.
السؤال الثالث: هل جرت مثل هذه الحالات عند تشكيل الحكومات في دول العالم؟ وكيف تم التعامل معها؟ وهل توجد أمثلة؟
نعم حدثت مثل هذه الحالات كثيراً جداً، بل لا يمكن احصائها، وتم التعامل معها بشكل طبيعي جداً من قبل الحكومات والشعوب، وادناه بعض الأمثلة:
في فرنسا: (نيكولا ساركوزي) رغم انه محامي إلا انه تولى مناصب: وزير الميزانية، وزير الاتصال، وزير الداخلية، وزير الاقتصاد والمالية، عضو البرلمان، رئيس الجمهورية، وعضو المجلس الدستوري.
(لوران فابيوس) أختصاصه إدارة: رئيس الوزراء، وزير الميزانية، رئيس البرلمان، وزير المالية، ووزير الخارجية.
(ميشال آليو ماري) محامية وتولت مناصب: الخارجية، العدل، الداخلية، وعضوة البرلمان.
وفي بريطانيا: (جاك سترو) رغم ان اختصاصه هو القانون الا انه تولى مناصب: عضو البرلمان، نائب رئيس الوزراء، وزير العدل، وزير الخارجية، ووزير الداخلية.
(جيريمي هنت) اختصاصه آداب وتولى مناصب: عضو البرلمان، وزير الصحة، ووزير الخارجية.
وفي المانيا تولت (انجيلا ميركل) واختصاصها فيزياء مناصب: وزيرة المرأة والشباب، وزيرة البيئة، ورئيسة الوزراء.
(زيغمار غابرييل) أختصاصه علم الاجتماع وتولى مناصب: وزير الخارجية، وزير الشؤون الاقتصادية والطاقة، نائب رئيس الوزراء، ووزير البيئة.
ميشال باشليت وهي طبيبة وتولت مناصب: وزيرة الصحة، وزيرة الدفاع، رئيسة تشيلي، ونائبة الأمين العام الأمم المتحدة.
بن علي يلدرم وهو مهندس بحري: وزير النقل، وزير الاتصالات، رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان التركي.
وهذه الحالة موجودة في الدول العربية ايضاً، مثل:
يوسف بطرس غالي الحاصل على دكتوراه بالفلسفة تولى مناصب عديدة في مصر مثل وزارات: التعاون الدولي، شؤون مجلس الوزراء، الاقتصاد، التجارة الخارجية، والمالية، ولم يقل أحد عنه أنه وزير (بتاع كلو!).
يوسف يوسفي اختصاصه فيزياء وتولى مناصب: رئيس وزراء بالوكالة، وزير الخارجية، ووزير الطاقة والمناجم في الجزائر.
صباح خالد الحمد أختصاص علوم سياسية وتولى مناصب: وزير العدل، الاعلام، الخارجية، نائب رئيس الوزراء في الكويت.
اما في لبنان: فقد تولى جبران باسيل وهو مهندس مدني وزارات: الاتصالات، الطاقة، والخارجية.
وائل أبو فاعور وهو اختصاص إدارة اعمال تولى وزارات: الشؤون الاجتماعية، الصحة، والصناعة.
محمد فنيش اختصاص رياضيات تولى وزارات: الطاقة، العمل، التنمية الإدارية، شؤون مجلس النواب، والشباب والرياضة.
اذن يكون جواب السؤال الكبير: نعم، لان الشخص الإداري المتميز والمخطط الستراتيجي سينجح في كل وزارة، وعكسه سيكون فاشلاً في أي منصب!