قبل أن يشغر منصب المدير العام لإحدى دوائر الدولة بتجاوز مديرها السنّ القانونية للوظيفة العامة وحلول موعد إحالته إلى التقاعد، قامت المجموعة الحزبية في الدائرة (لحزب إسلامي متنفّذ في الدائرة بحكم نظام المحاصصة) بإبلاغ معاون المدير العام، وهو عنصر مهني كفء وذو خبرة، بأنهم بصدد ترشيحه لشغل المنصب.
الرجل شكر أصحاب”المبادرة”ووعد بأن يكون عند حسن الظنّ.”المبادرون”أوضحوا له أنه سيكون طليق اليد في شؤون الدائرة إلّا العقود والمقاولات التي سيقتصر دوره فيها على التوقيع، فهم سيرتّبون كلّ ما يلزم للإجراءات المطلوبة، لكنّه تساءل: كيف لي أن أوقّع على عقد أو مقاولة من دون دراسة ومشاورة مع آخرين. قالوا له: لا تتعب نفسك، نحن نتكفّل بكل شيء وما عليك غير التوقيع. رفض الرجل العرض، فقيل له: إذن نسحب ترشيحنا، وأنت لن تعود نائباً للمدير العام بعد اليوم!
هذه ممارسة شبه روتينية في دولة الإسلام السياسي (الراهنة). ومن الممارسات الروتينية أيضاً الكيد لموظفي الدولة النزيهين والسعي للتشهير بهم بتلفيق المعلومات غير الصحيحة عنهم وإشاعتها بكل الوسائل. وزير الموارد المائية د. حسن الجنابي مثال.
حتى اليوم لم يمضِ على الجنابي في الوزارة غير 22 شهراً فقط، وفي الأيام الأخيرة تعرّض لحملة، واضح أنها مقصودة عن عمد وسابق إصرار، على هامش قضية بدء تركيا بملء خزانات سدّ إليسو.. لم ينقص أرباب الحملة ضدّ الوزير الجنابي إلّا القول بأنه هو الذي بنى السدّ وهو الذي أغلق بوّاباته ليتوقف تدفق المياه في دجلة!
معلوم أنّ الجنابي حذّر حتى قبل توزيره بوقت طويل من المشكلة التي سنواجهها مع سدّ إليسو وسائر السدود التركية والإيرانية الجديدة، والحملة ضدّه بدأت منذ اليوم الأول لإعلان ترشيحه وزيراً للموارد المائية في 2016 عندما كان لم يزل سفيراً لدى اليابان.
وزارة الموارد المائية يعدّها أساطين الفساد في الدولة العراقية أحد مناجم الذهب في هذه الدولة، وظلّت عيون العديد من هؤلاء الفاسدين عليها كلّ هذا الوقت وستظلّ كذلك مادام الفساد راسخاً وصامداً وما دامت مكافحة الفساد لا تعدو كونها لغواً أجوفَ.
حسن الجنابي أثبت جدارة الموظف التكنوقراط الوطني النزيه حتى قبل أن يتولى منصبه الوزاري، فهو الذي قاد بنجاح الفريق العراقي في المفاوضات الخاصة بإدراج الأهوار ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي. وهو سجّل لنفسه سابقة لم يُقدم عليها أي وزير أو مسؤول في الدولة، بالتواصل المباشر مع المواطنين وموظفي وزارته عبر موقع التواصل الاجتماعي”فيسبوك”الذي استثمره أيضاً في توعية الناس بكيفية الاقتصاد باستهلاك المياه وكيفية الحدّ من التلوث الذي يصيب أنهارنا، فضلاً عن زياراته التفقدية لمواقع العمل.
الموظف النزيه، وزيراً كان أم معاوناً لمدير عام، لا يُراد أن يكون له مكان في دولة يذبحها الفساد الإداري والمالي من الوريد إلى الوريد.