في بلد تسوده الفوضى تقريبا في كل شيء والذي لم تستطع فيه الطبقة السياسية المتحكمة بالسلطة والثروة والتي توافقت مع المشروع الديمقراطي الاميركي بعد احتلال العراق واسقاط نظام صدام من الاتفاق على انهاء هذه الفوضى او التخفيف منها لاسباب عدة منها عوامل التاثير الاقليمي (دول الجوار) والدولي(اميركا وبريطانيا ) وعوامل توازن الحكم والسلطة الداخلي الخاضعة لتوافق المكونات الرئيسية للشعب (الشيعة والسنة والكورد) وتباين مصالح الطبقة الحاكمة ومحاولة استحواذها على الثروة والسلطة معا وبوجود اقتصاد ريعي احادي تعتمد ميزانيته العامة على 93 بالمائة من عائدات بيع النفط , والنفط كاي سلعة تتعرض لتقلبات السوق الدولية واستقطابات السياسات العالمية تلك العوامل التي اضحت سببا للازمة الاقتصادية التي عانيناها خلال الاربع سنوات الماضية وهو امر ساعد على استمرار تلك الفوضى في كل قطاعات العراق الاقتصادية والاجتماعية نظرا لتبعيتها لتلك العوامل مجتمعة , الانه بدى في السنتين الاخيرتين وبعد اشتداد موجة التظاهرات المطلبية وتصاعدها ان هناك فرصة لتعدي تلك الفوضى فقد دفع الحراك الاجتماعي المرجعية الدينية في النجف صاحبة التاثيرالمعروف الى تغيير موقفها من الحكومة ودعم هذا الحراك المطلبي وبروز محاولة جدية لكسر تابوه المحاصصة الطائفية والقومية المبدا الذي قام وتاسس عليه تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط نظام الحكم السابق وبمباركة الاميركان ؟! ومن ثم تعدت تلك المحاصصة الى بناء اسس بناء الدولة الجديدة بعد اول انتخابات تشريعية وتشكيل اول حكومة منتخبة. تلك التظاهرات التي قادت الى ظهور تحالف اصلاحي جديد من المدنيين مع اهم احزاب الاسلام السياسي تاثيرا في الساحة المجتمعية وهو التيار الصدري وجمهوره الواسع المؤلف من المهمشين والكادحين وكان للتظاهرات الخدمية ومنها المطالبة بتحسين خدمة الكهرباء الاثر الفعال في تحالف هاتين الحركتين واللتان حصدتا النسبة الاعلى من الاصوات والمقاعد البرلمانية بالنسبة لتحالف انتخابي خاض الانتخابات الاخيرة والمفارقة ان قائمة سائرون التي تمخضت عن تحالف هاتين الحركتين دعمت رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي بقوة بل وغامرت بدعم احد كوادر التكنوقراط العراقيين المستقلين وهو الدكتور لؤي الخطيب على تبؤا اهم وزارة عراقية خدمية تتوقف على اساسها اغلب مرافق الحياة وهي وزارة الكهرباء عاقدة عليه الامال لاصلاح مايمكن اصلاحه بل ووضعته في اول امتحان في مسيرته المهنية الحكومية المباشرة سيتوقف عليه مستقبله السياسي كما انه اصعب امتحان سيواجهه والحكومة العراقية معا بعد هزيمة التنظيم الارهابي الاشرس , فمالذي يتعين عليه ان يتبعه وزيرالكهرباء الجديد لتغيير مسار عمل وزارته بشكل مفيد وجدي ورفع مستوى الانتاج والتجهيز في قطاع الكهرباء لخدمة العراقيين اولا ومن ثم خدمة المسارات العراقية القطاعية الاخرى كالصناعة والزراعة وغيرها في البدء يجب ان ننتبه بان الوزير الجديد والحكومة الجديدة مدعومة من اهم جهتين داخليتين هما مرجعية النجف الدينية والزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر والذي ينظر اليه على انه اهم قادة الاصلاح وبالتالي فالوزير محظوظ من ناحية دعم اهم مفصل مجتمعي كبير وخطير ايضا , فضلا عن توفر عوامل مناسبة لتطوير عمل وزارة الكهرباء منها الوضع الامني المستتب وتقبل الطبقة السياسية الحاكمة اخيرا لمبدا نقل الصراع والتنافس الى داخل قبة البرلمان وليس خارجه وهو امر تسبب سابقا بوضع العراقيل امام بناء منظومة الكهرباء الوطنية وبقيت تعاني كما هي الان اضافة الى توفر بنية تحتية جيدة جدا في قطاع النقل ولاباس بها في قطاع الانتاج فضلا عن توقع وفرة مالية مساعدة في الموازنة الجديدة بعد تجاوز الازمة المالية ومن ناحية المقارنة فقط لوزراء التكنوقراط فهذه العوامل لم تتوفر للوزير الاسبق الدكتور كريم وحيد وهو من وزراء التكنوقراط ومتخصص في الكهرباء ايضا ويشار له بالكفاءة ولكنه دفع للاستقالة بعد مواجهة حكومة المالكي الثانية لصعوبات وقد ضحى به المالكي بسهولة درءا لمخاطر التظاهرات في وقتها , كل هذه الامور المساعدة ستساعد الوزير الجديد وهو رجل تكنوقراط معروف لدى المؤسسات الحكومية العراقية ناهيك عن الدولية عن محاولة لانهاء الفوضى في منظومة الطاقة الكهربائية وبالتالي الاسهام الجدي بانهاء الفوضى العارمة التي نعاني منها في كل نواحي الحياة الاخرى , ان دراسة وضع المنظومة في الثمان سنوات الماضية سيساعد الوزير ايضا في تحقيق رؤية مناسبة لاصلاح منظومة الكهرباء فقد تقدمت وزارة الكهرباء العراقية بخطى جيدة لاستكمال المشاريع الموضوعة ضمن خطط اول حكومة لكن وجود وزيرين على راس الوزارة خلال الثماني سنوات الماضية غير محسوبين من التكنوقراط المستقل اسهم كثيرا في عدم تقدم عمل المنظومة فقد عكف الاول على اكمال المشاريع فقط وتراجع عمل وزارة الكهرباء في عهد الثاني نظرا لعدم قدرتهما على استقلال قراريهما عن المنظومة الحاكمة كما ان اتباع الثاني سياسات غير موفقة وعزله العديد من الكفاءات من المديرين العامين والعشرات من الملاكات الوسطية وتقريبه للنفعيين خلق حالة من الفوضى دفعت خمس من اهم مهندسي الوزارة الى طلب التقاعد منها وكيلين للوزارة وهو ماادى الى تراجع خطير في منظومة الكهرباء الوطنية وادى الى اندلاع تظاهرات حاشدة في صيف 2013 مادفع برئيس الوزراء العبادي الى طرح مشروع اصلاح لامتصاصها وتراجع عن المشروع لاحقا بعد ان خفت وتيرة التظاهرات المطلبية وبسبب ضغط المنظومة الحاكمة . فمالذي يتعين على الوزير الجديد كي ينجح في صنع تاريخ مشرف يبقى في اذهان العراقيين طويلا , في البدء علينا ان نضع كل العوامل المساعدة التي اشرنا اليها في الحسبان مايعني ان عهد الوزير الحالي سيتميز بهامش كبير من حرية الحركة في وضع خطط لازمة سريعة ومتوسطة وطويلة الاجل بالاعتماد على اصحاب الخبرة والاختصاص ممن تبقى من ملاكات الوزارة اوالاستفادة من خبرات المحالين على التقاعد او اللذين عزلهم سلفه وممن يمتازون بالضمير العراقي الحي والنخوة الوطنية تقوم هذه اللجنة بتقويم عمل المنظومة ومشاريعها ومواطن الخلل في قطاعاتها الثلاث , الانتاج والنقل والتوزيع فضلا عن دراسة موضوعة الوقود المجهز للمحطات وخلال شهر واحد شريطة ان يتفرغ هؤلاء تماما لهذا العمل ثم دراسة مدى الاستجابة المالية في ميزانية الحكومة حتى لاتلجاء الوزارة الى القروض الدولية او عقود المشاريع بالاجل واعادة تقييم قطاع التوزيع وتجربة مشاريع الخدمة والجباية الفاشلة التي جاء بها سلفه واعطيت لبعض الشركات الاسمية او الفاشلة وبعضها تاسست مباشرة بعد طرح المشروع بغية الاستفادة المالية فقط ومن اناس معروف من يقف ورائهم وهو ماتسبب بتراجع مشروع الخدمة والجباية او مايمكن تسميته بضبط الاستهلاك وفق التعرفة التصاعدية واحتمالية موت المشروع لو لم تتخذ اجراءات سريعة لتصحيحه علما انه مشروع رائد لوتوفرت النية الصادقة لنجاحه وبمساعدة عوامل اخرى وهو مطبق في اغلب دول العالم لكنه فشل في العراق بسبب التهافت من اجل الربح دون تقديم الخدمة وشابه من الفساد الكثير وبالتالي يجب اعادة النظر به ومحاسبة شديدة للقائمين عليه مع تقدير عال للشركات الرصينة التي عملت عليه ومكافئتها كما يتعين عليه بدء ثورة ادارية لتحسين اداء الوزارة الاداري ووضع الرجل الكفؤ المناسب في المكان المناسب وفق مبدا الكفاءة والنزاهة والغاء مبدا المحسوبية والمنسوبية فضلا عن العمل لزيادة ثقة المواطنين بالوزارة والعاملين فيها باتباع سياسة اعلامية تفاعلية صادقة تجعل من المواطن شريكا فعليا للوزارة وذلك بايضاح كل الحقائق المتعلقة بالوزارة ومشاريعها ونقاط الخلل وامكانية تحسين الاداء ووضع توقيتات زمنية يمكن البناء عليها في كسب ثقة الناس. اضافة الى توافرعامل دولي مهم هو الثقة الدولية في الاقتصاد العراقي والتي تمثلت بابرام مذكرتي تفاهم مع اهم شركتين عالميتين في قطاع الكهرباء هما جنرال الكتريك الاميركية وسيمنس الالمانية مايعني ان هناك فرصة لتحسين اداء المنظومة من ناحية بناء المحطات الجديدة في القطاعات الثلاث او ماتوفره هاتين الشركتين من القدرة االتكنولوجية الهائلة لمشاريع الصيانة والخدمة الاضافية والتي ستضيف نقطة فاعلة لصالح الوزير الجديد .
مايتعين علي قوله وغيري كثيرين ان العراقيين يريدون ان يكون الوزير قائدا وليس مديرا واذا مانجح الوزير حقا في مسعاه فيسكون نجاحه ميزانا لنجاح التشكيلة الوزارية وبذلك نكون قد وضعنا اولى خطوات التخلص من الفوضى بل ويمكننا تخطي ثاني بوابة للعبور الى ضفة بناء العراق الجديد المستقر والمزدهر بعد ان تخطى العراق البوابة الاولى بهزيمة داعش الارهابي .