اضحت قضية تحرير الموصل اخر معقل لتنظيم داعش الارهابي في العراق قضية سياسية قبل ان تكون عسكرية بحتة ، وستخضع لمزايدات داخلية واقليمية ودولية.
على الصعيد المحلي تؤكد غالبية القوى السياسية وخاصة الكوردية والعربية السنية منها على الاتفاق على صيغة لأدارة المحافظة بعد تحريرها كي لا تظهر خلافات مستقبلية على ادارتها ،ربما تصل الى الصدام المسلح بين القوى المتصارعة لا سامح الله.
من جانب آخر مايزال هناك جدل محتدم بشأن مشاركة قوات البيشمركة والحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل وهناك خلافات ازاء دور تلك القوات في العملية المذكورة فضلا على القوات التي ستقتحم المدينة لتحريرها ومن ثم تمشيطها.
حكومة اقليم كوردستان وعلى لسان مسؤولين رفيعي المستوى اعلنوا وبشكل صريح ، ان قوات البيشمركة لن تنسحب من المناطق الكوردية في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين التي حررتها من تنظيم داعش الارهابي بتضحيات جسام ودماء ابنائها من الشهداء والمصابين ، وستضم تلك المناطق الكوردية الى اقليم كوردستان ، وبالطبع هذا لم يكن سهلا لأسباب واعتبارات معروفة.
اماعلى الصعيد الاقليمي ، السعودية ستنظم نهاية اب الجاري مؤتمراً لبحث مشروع تشكيل اقليم سني بعد دحر داعش الارهابي و تحرير الموصل ، وهناك قوى عربية سنية تدعم
المشروع السعودي و تسعى من اجل تاسيس ذلك الاقليم اسوة باقليم كوردستان لتكون حرة في اتخاذ قراراتها بعيدا عن الحكومة الاتحادية ، وبحسب مصادر صحفية ارسلت الرياض دعوات لشخصيات سنية سياسية وعشائرية ممن لهم موقف من الوضع الحالي في العراق لحضور المؤتمر لبحث المشروع المذكور.
تركيا التي انشأت معسكراً في المناطق القريبة من مدينة الموصل ، جهزت قوة عسكرية من المشاة والدروع فضلا على الى تدريب مقاتلين عراقيين موالين لها ليكون لها دور في مستقبل الموصل ، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الاطماع التركية في تلك المناطق على مر العقود الماضية.
ايران ايضا ستشارك في معركة تحرير الموصل عن طريق مستشاريها وبعض الجماعات المسلحة الشيعية الموالية لها ، وهناك تسريبات اعلامية بان الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني سيكون له دور اساس في ادارة المعركة المذكورة ليكون لطهران حضور على ارض الواقع والتأثير على اي قرار لمرحلة ما بعد داعش الارهابي في العراق بشكل عام ، وهذا مااثار حفيظة بعض الشخصيات العربية السنية التي طالبت باستدعاء الضباط العراقيين المتقاعدين الذين شاركوا في الحرب العراقية الايرانية لأدارة معركة الموصل بدلا من الايرانيين.
على المستوى العالمي ، تشير التقارير الصحفية الى ان الادارة الامريكية تسعى لأقحام قضية دحر داعش الارهابي في سوريا والعراق كجزء من الدعاية للانتخابات
الرئاسية التي ستقام نهاية العام الحالي وتحاول الادارة الامريكية الحالية ان تلعب بورقة دحر داعش الارهابي لكسب اصوات الناخبين ، وبالاخص بعد ما اصبح داعش الارهابي يشكل خطرا حقيقياً على الامن و السلم العالمي والعمليات الارهابية الاخيرة في المانية وفرنسا ودول اوربية اخرى وحتى في الولايات المتحدة هي خير دليل على ذلك الخطر ويسعى الديمقراطيون اللّعب بورقة الانتصار على داعش الارهابي في الانتخابات الرئاسية.
الاوربيون ايضا سيكون لهم دور كبير في حسم المعركة ضد داعش الارهابي عن طريق الضربات الجوية وقصف مواقع الارهاب فضلا على تقديم مساعدات عسكرية من السلاح والاحتياجات اللوجستية الضرورية لدعم للقوات العراقية خاصة قوات البيشمركة.
من جملة تلك المعطيات يظهر جليا ان معركة القضاء على داعش الارهابي في سوريا والعراق وبالاخص في الموصل ستخضع لمصالح سياسية وصراعات محلية واقليمية ودولية وبالنهاية ستطفو على السطح صراعات جديدة بين القوى السياسية العراقية داخل المكون الواحد وبين المكونات الاخرى بشكل عام.
المكون العربي السني الذي يفتقد الى مرجعية دينية وسياسية مركزية لتوحيد الكلمة واتخاذ موقف موحد من الاوضاع بعد داعش الارهابي ستشتد الخلافات فيما بينها ، بسبب تضارب المصالح الحزبية والشخصية لقياداتها التي انقسمت بولائها الى دول اقليمية وفي الداخل ايضا انشطرت الى فريقين بين مساند للحكومة ومشارك في العملية السياسية وبين معارض للوضع الحالي في العراق بشكله العام .
القوى الاسلامية الشيعية ايضا ستواجه خلافات وتناحرات شديدة بسبب تقاطع مصالحها وصراعاتها على السلطة ومناطق النفوذ ، ولكن يمكنها الاتفاق بشكل او بآخر بسبب الضغوط التي تمارس عليها من المرجعية الدينية من جهة والحكومة الايرانية من جهة اخرى.
ويرى المراقبون ان الاوضاع في اقليم كوردستان ستختلف تماما عن باقي مناطق العراق وعن المكونين العربي السني والشيعي ، لان الاحزاب والقوى الكوردية ، الان بصدد حل خلافاتها والاتفاق على صيغة معينة لأدارة الامور لتوجسها من المخاطر الحقيقية التي ستواجهها بعد داعش الارهابي وخاصة بشأن المناطق المتنازع عليها واجراء الاستفتاء والسعي من اجل تقرير المصير ، اذن الكورد بمختلف توجهاتهم السياسية وكشعب يواجهون مصيرا مشتركا والواقع يفرض عليهم العمل معا واتخاذ موقف واحد من القضايا المصيرية من اجل تجاوز مخاطر المرحلة الحالية والتحدي الذي يواجه وجودهم ومصيرهم.
من خلاصة ماتم التطرق اليه ، يمكن القول ان ماحدث في جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي واتهامه رئيس مجلس النواب وعدد من اعضاء البرلمان من المكون السني هو بداية تفجير القنبلة الموقوتة للصراعات والخلافات بين المكون السني على المصالح والنفوذ وبين المكونات العراقية الاخرى بعد تحرير العراق بالكامل من داعش الارهابي التي ستبقى خلاياه النائمة على اهبة الاستعداد للقيام باعمال ارهابية داخل المدن العراقية متى شاءت.