تعددت التأويلات والتفسيرات لما فعله وزير الدفاع خالد العبيدي خلال جلسة استجوابه في مجلس النواب واتهامه لرئيس البرلمان سليم الجبوري ونواباً آخرين بالفساد، بين من يشكك بكلام العبيدي ويعدّه (هروباً الى الأمام) ، وبين من يرى أن العبيدي أراد الانتقام من رئاسة المجلس التي رفضت الاستجابة لتوسلاته بتأجيل استجوابه ريثما يصفي أملاكه وينقل أمواله الى أمريكا بعد أن ينتهي من عقد صفقته الأخيرة (عقد صيانة الطائرات مع شركة أمريكية بقيمة 500 مليون دولار وعمولته فيها 27 مليون دولار وفقاً للوثائق التي بحوزة القائمين بالاستجواب) .
والمسألة واضحة لا لبس فيها، فالعبيدي شعر بأن الاستجواب واقع لامحالة، وأن سليم الجبوري لن يؤجل الاستجواب مهما بلغ حجم الترهيب والترغيب .
ومن هنا فإن العبيدي أراد خلق جو من (الأكشن) في مجلس النواب في محاولة منه لإشغال الرأي العام بأشخاص هم خارج دارة فساده، ليكسب الوقت أولاً، ثم أنه قد يحظى بفرصة لقلب الطاولة على البرلمان من خلال كسب دعم بعض الساسة ثانياً، وقد يتمكن بطريقته الاستعراضية من كسب تعاطف الشارع من خلال الظهور بمظهر القائد الضرورة الذي قضى على الدواعش وحرر المدن والقرى من قبضة الإرهابيين رغم أنه بطل من ورق لاعلاقة له بالمعارك، وكل ما يفعله هو انتظار مكالمة هاتفية تأتيه من منطقة تدور فيها المعارك ليقال له أنها تحررت، فيمتطي صهوة طائرته المروحية ليذهب اليها ويعقد مؤتمراً صحفياً يتحدث فيه عن معارك لم يشترك فيها ولم يتواجد في خطوطها الأمامية كما يقتضي العرف العسكري ، ومن هنا حاول العبيدي إيهام الشارع العراقي بأن مجلس النواب (يزعج) القائد الضرورة الذي يخوض حرباً ضد داعش !
لقد أيقن العبيدي أن فساده تم فضحه وأن السلطة التشريعية ستتعامل مع ملفات استجوابه بكل حيادية، فهل يختصر الطريق ويلحق بعائلته التي قام بتهريبها مسبقاً الى الولايات المتحدة الأمريكية؟ أم يكسب المزيد من الوقت ليصفي أمواله وممتلكاته ويقبض عمولته من صفقة صيانة الطائرات والبالغة 27 مليون دولار ؟ علماً بأن هذا المبلغ في نظر العبيدي يستحق المجازفة ليس بسمعته فقط بل بحياته أيضاً، فما الحل؟
الحل الذي توصل اليه الوزير العبيدي هو إثارة البلبلة وصناعة أزمة جديدة تسهم في إبعاد الأنظار عنه ولو لفترة قصيرة، وكان كبش الفداء رئيس البرلمان سليم الجبوري الذي صعق عند سماعه باتهام وزير الدفاع له بالفساد، ولسان حاله يقول :” ما الذي يتحدث عنه هذا المجنون؟ ولماذا يفبرك هذه الاتهامات ضدي ؟! “، فكانت ردة فعل الجبوري هي النزول عن منصة الرئاسة لأنه مؤمن بأنه لم يرتكب ما يستحق المساءلة بشأنه ولم تمتد يده الى المال العام وأنه بعيد كل البعد عن عالم العبيدي عالم المال والصفقات والعمولات، فالجبوري موظف في البرلمان يعتاش على راتبه ولايجيد لغة السماسرة .
باختصار شديد.. لقد كانت مسرحية وزير الدفاع خالد العبيدي في جلسة استجوابه رفسة أخيرة يؤديها الثور الذبيح المطروح تحت سكين القصاب، لكن المضحك في كل هذه المسرحية أن من يؤيدون خالد العبيدي في مسرحيته هذه هم أفسد الفاسدين في العراق، وهؤلاء انتفضوا لنصرة زميلهم في الفساد رغم اختلافهم معه مذهبياً، فاللصوص يخضعون لبروتوكول (انصر زميلك اللص سنيا كان أم شيعياً) .