أثارت تصريحات السيد وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، موجة من السخط والغضب لدى أوساط سياسية عراقية ، وبخاصة ممن هم محسوبون على طائفته، وقد وجدت في ظهوره العلني المبكر من على منبر قناة الشرقية نيوز ، ومع إعلامي متمرس وبرنامج مثير ، أنها أثارت موجة سخط وإستياء وإستغراب، إستغلها كثير من الساسة وجهات تتربص به الدوائر، ، للعمل على تشويه مسيرة الرجل وصورته السياسية، في أول ظهور إعلامي، لم يكن قد هيأ نفسه لسقطاته ، وهو يواجه جمهورا عريضا يتصيد الأخطاء ويمعن في (تأويل التفسيرات) ليجد منها مادة للإثارة والصخب الاعلامي، وخرج الرجل من تلك المقابلة الحوارية، وهو يتمنى في قرارة نفسه أنه لو لم يظهر، وهو مايزال لم يستلم راتب المنصب الجديد بعد، لأنه كما قال ، لم تمض على توليه المنصب ( 25) يوما، وهو لايدري حتى هذه الساعة إن كان سيستلم راتبه بعد هذا الحوار المثير، أم لا.. لكن لديه قناعة أنه سيستلم هذا الراتب ، وسيقال عنه انه كان وزيرا للدفاع ، ويعد هذا (مكسبا) للكثيرين ، في حد ذاته!!
ولو كنت مكان الرجل ، فلن أقبل الظهور من على واجهة الإعلام في تلك الفترة الزمنية القصيرة ، لان هناك من يحاول (تأويل) تصريحاته بالشكل الذي يخدم أغراضه، وما أكثر الساحة السياسية في العراق ممن يتربص بالاخرين الدوائر، ويبحث عن سقطة هنا او سقطة هناك، ليحولها الى مادة ” تشهير” بالإعلام والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ،التي بدت أكثر خطورة من الاعلام نفسه، ، حتى أن الرجل ربما لعن اليوم الأسود الذي قبل به أن يظهر لأول مرة على الإعلام، وهو مايزال في أيامه الأولى !!
لا أحد يشكك بقدرات السيد وزير الدفاع المهنية، ومسيرته العسكرية حافلة بالكثير من الصفحات المشرفة في سوح القتال، وبالرغم من أنني لم أعرف الرجل ، ولم التقيه او أعرف عن تاريخه العسكري الكثير، ولم أعرف من أي (ملة) هو ، لكن الكثيرين كانوا قد أشادوا بمواهبه العسكرية ، وبتاريخه العسكري الحافل بالكثير من الصفحات ، مايحق له أن يتفاخر به بين أهله وشعبه ، لكن (خطيئته) الوحيدة ربما أنه لم (يحسن الظهور) في الإعلام، وهو مايزال في أيامه الأولى ، وكان يفترض أن يتريث لفترة، وان يأخذ المشورة من المختصين في مجالات الدعاية والاعلام والحرب النفسية، قبل أن تطأ قدماه أرض الصحافة والفضائيات، وهو مايزال قليل الخبرة فيمن يريد أن ينتزع منه تصريحات ، تاخذها أطراف مناوئة له فرصة ومادة دسمة للتشهير أمام الرأي العام، وينبري شيوخ عشائر ووجهاء ربما ومتمرسين آخرين في ميادين السياسة ودروبها ، لكي يوجهونها وفق الاهداف التي تخدم توجهاتهم، وقد يكون الرجل غير موفق في إصدار تصريحات مطولة بهذا الشكل، وكان يفترض أن لاتزيد فترة الحوار عن ربع ساعة ، كي لايضطره الوقت الطويل وكثرة الأسئلة التي إنهالت عليه ، لأن يضطر في الادلاء بمواقف حسبت عليه ، على أنها بالضد من توجهات طائفة او مجتمع لايقبل من وزير دفاع عريق في تاريخه العسكري ، كما يفترض، أن يتورط في الانزلاق الى تصريحات لاتقدم له خدمة او ظهورا إعلاميا ، بقدر ما كانت (خسارة إعلامية) لم يتقن السيد وزير الدفاع الخوض في غمارها، بل وحتى رد وزارة الدفاع لم يكن منصفا للرجل، بالرغم من ان بيانها حاول تفادي تلك السقطات عن الموقف من داعش والغربية والعلاقة مع ايران، الا أن تبريرات وزارة الدفاع لم يكن بإمكانها تغيير تلك الصورة التي ظهر بها ، وما أدلى به من تصريحات ربما لم يكن موفقا بها، ولم يحسن توجيه لغة تصريحاته بإتجاه (الاعتدال) و (الحيادية) وحتى لايحسب أي طرف أنها موجهة ضده ، وكان له ماكان، بعد إن (وقع الفأس في الرأس)، كما يقال، ولم يعد لكاس الماء الذي انهمر منه أو (تبدى) في اللهجة العامية ، أن يعيده مرة أخرى!!
المشكلة أن كثيرا من العراقيين لا يدرون أن منصب وزير الدفاع ولا حتى الداخلية أنه لا يقدم ولا يؤخر ، فهو بحسب الدستور (منصب شرفي) ، ما عليه الا أن يدير الوزارة من الجانب الاداري، وربما يوقع الإتفاقات والصفقات العسكرية، بالرغم من أنها لحساب جهات أخرى، الا انه مضطر للتوقيع عليها ، بحكم كونه المسؤول الاول عن تلك المؤسسة العسكرية التي تم إفراغها من محتواها، ولم يتبق من هياكلها ما يمكن ان يكون مهما وحيويا لوزارة لها تاريخ مشرف، في عقود مضت، إذ ليس بمقدور وزير الدفاع ضمن مهامه ، أن يزور قطعة عسكرية او يتدخل باعداد خطط عسكرية او يزور أية منطقة في بغداد أو محافظة اخرى أو قطعات عسكرية ، دون إستشارة قيادات العمليات التي بيدها الحل والربط ، أما وزير الدفاع فليس بمقدوره ربما تعيين (فراش) او (جندي) في الوزارة او التدخل في نقل الضباط والقادة والآمرين ، الا بطلب ربما من قادة عسكريين له دالة عنده ، ولهذا فأن منصب وزير الدفاع مجرد واجهة، ولو بقي الرجل قائدا عسكريا لكان له أفضل، ولما خسر من سمعته الكثير، حاله حال من سبقوه وقد تعرضوا الى حملات نقد وتجريح لها أول وليس لها آخر، وكان يفترض بتصريحاته أن توازي حجم مهمته، لا أن يذهب بها بعيدا، و(يغرد خارج السرب)، كما يقال، وما تم تضييق الخناق عليه ، لايسمح له بأن يتوسع في التصريحات، وكان عليه أن يعتمد على مبدأ من سبقوه ( أكل ووصوص) ، الى ان يكون بمقدورك حصولك على الامتيازات الرفيعة التي ستوصلك الى قمم المجد ، أو ربما تهوي بك لاسمح الله الى مالايحمد عقباه، إن بقيت تصريحاته (النارية) على تلك الشاكلة من الظهور غير الموفق!!
شخصيا أدرك مغزى كل تصريحات الرجل ، وكان يعتقد أن وصفه الاشياء بمسمياتها وعلى علاتها ، يؤكد شجاعته في قول الحقيقة ، حتى وان كانت مرة، لكن (الوقت) لم يكن ملائما بعد، فما يزال (لحيميا) على المنصب كما يقال، ولم ينبت الريش على ظهره وعلى اطراف جسده بعد ، الا أن وجد فيه المتربصون ضالتهم ليفجروا (براكين) و(زوابع) ضد الرجل ، حتى دعا البعض الى إزاحته من المنصب ، وهو (يتوسل) الى الاعلامي البارع د.نبيل جاسم طوال الحوار أن لا (يورطه) في تصريح ، وهو مايزال في الايام الـ ( 25) الأولى من توليه المنصب، وهو لم يستلم راتب المنصب الجديد بعد، الا ان الدكتور نبيل جاسم الذي يبدع في الحصول على انتزاع تصريحات (الإثارة) ومن حقه كإعلامي ان يتصرف هكذا ، والا لما تحولت برامجه الى مادة للانتشار السريع والاهتمام الكبير، لكن وزير الدفاع وجد نفسه (ضحية) سقطات هو من أوقع نفسها فيها وليس مقدم الحوار ، وكان عليه أن يجيد لغة الدبوماسية والحيادية والهدوء ، لا أن يغرد شمالا وجنوبا ، في تصريحات ما كانت موفقة من حيث الزمن والمغزى، والناس تنتظر من وزير الدفاع أن يكون مدافعا عن الطائفة التي رشحته على الأقل، وهو جاء ضمن المحاصصة المعروفة ، ويفترض أن يحسب لكل كلمة وحرف حسابه، لكي لاتكون ضريبة (حب الشهرة والظهور) مدخلا لإستغلال الكثيرين لتصريحات ماكان عليه ان يدلي بها ، الا بحساب لكل الاطراف، شرقها وغربها ، إن أراد ان (يسلم على ريشه) كما يقال!!
كان الحديث في كل مرة ، في الإعلام وبين أوساط الراي العام العراقي عموما، عن منصبي وزير الدفاع او الداخلية ومناصب عسكرية وأمنية أنها تباع وتشترى) ، لكن السيد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي ، قد خرج هذه المرة، عن الدخول في (مغامرات) من هذا النوع، تورط بها آخرون سبقوه، واختار الاشخاص المهنيين وذوي الخبرة ، خارج ارادات الكتل السياسية أحيانا، وكان له ما أراد ، وبالتالي تخلص من (مزاد بيع المناصب) وهو ما حصل لأول مرة في تاريخ العملية السياسية الجديد ربما، لكن الحديث كان يجري قبل سنوات ، عن قيام كتل سياسية بإستيفاء مبالغ مقابل ضخمة مقابل أي ترشيح لمنصب، ضمن (صفقات) كانت تعقد قبل حصول أي مسؤول رفيع في الدولة على منصب، لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا ، كما يقال!!
وقد يقول قائل هل بالإمكان أن يعاود السيد وزير الدفاع جمعة عناد الظهور في الإعلام لشرح مضامين توجهاته ومحاولة إقناع أوساط من الرأي العام ، بأنه ليس سياسيا أصلا، ولم يكن يقصد الإساءة اليها ، او تحريفها أو لنقل (تاويلها) فأنا شخصيا مع أن يبتعد عن الاعلام لفترة ، واذا ماظهر مرة أخرى عليه أن يحسب لكل كلمة أن تكون مثل (المثقال) بما لايخسر سمعته العسكرية ، وهو الذي أفنى زهرة شابه ليصل الى تلك المرحلة ، واذا بمنصب لايقدم ولا يؤخر ، أن لايصل به الى مبتغاه ، والى ما يحلم به من طموحات مشروعة، لكن (الفأس وقعت في الرأس) كما يقال، ، وبإمكانه في قادم الايام أن يزيل لك الصورة (الضبابية) التي رسمها الرأي العام العراقي عن وزير الدفاع الجديد جمعة عناد..وأمنياتنا له بالتوفيق في مهمته الجديدة مع التقدير.